نواف الموسوي.. وكأنّه مقطوع من شجرة!

بتول خليل
الإثنين   2018/08/13
تحامل الموسوي على "الوكالة الوطنية للإعلام" ومديرتها لور سليمان (علي علوش)
للوهلة الأولى، يشعر المتابع لهجوم النائب نواف الموسوي على "الوكالة الوطنية للإعلام" وما جاء في مضمون استنكاره لعملها وسياستها التحريرية، أن عضو "كتلة الوفاء والمقاومة" نائب مستقل مقطوع من شجرة، لا ينتمي إلى حزبٍ يتحكم في منظومة إعلامية متكاملة وله تحالفات إقليمية ودولية. إذ بدا الموسوي، ومن خلال تصويبه على الإعلام الرسمي، كما لو أنه يفتقر إلى منبرٍ يسمح له بالتعبير عن رأيه ويُطلق من خلاله تصريحاته وخطاباته التي تُنقل بالحرف والكلمة، مهما علا سقفها أو حمل مضمونها من تصعيد و ودخول في المحاذير.  


ففي كلمته، التي ألقاها أاليوم الإثنين، في احتفال تكريمي أقامه "حزب الله" في قرية طيردبا الجنوبية، تحامل الموسوي على "الوكالة الوطنية للإعلام" ومديرتها لور سليمان، لعدم نشرها تهجماته على المملكة العربية السعودية. وفي اعتراض وتساؤل عالي اللهجة قال الموسوي: "نسأل وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي، الذي من المفترض أن يكون وصياً على الوكالة الوطنية للإعلام، وفق أي قانون تقوم الوكالة بالاعتداء على تصريحات النواب، وتحذف منها ما لا يعجبها؟ و ما هو القانون الذي استندت عليه الوكالة لتقوم بهذا الفعل؟ لا سيما أن هناك كتلة تحدثت عن كندا، ولدينا عشرات آلاف اللبنانيين المقيمين هناك، بينما إذا تحدث أحد ودان المجازر السعودية في اليمن، تقوم رئيسة الوكالة بحذف الكلام الذي يطاول المملكة. فمن أعطاها هذا الحق، وهل أصبحت الوكالة الوطنية للإعلام يا وزير الإعلام هي وكالة الأنباء السعودية؟ وهل هناك وصاية على تصريحات النواب، علماً أنه للنائب دون غيره في لبنان حق بأن لا يكون هناك قيد على تصريحاته. كما أن سلطة القانون قد تطاول أي شخص لمواقفه عدا النائب الذي له الحرية أن يتحدث بما يريد. لكن يبدو أن السعودية مسيطرة على الوكالة الوطنية، وبالتالي اي كلام يمسّها، تقوم الوكالة بحذفه!".

اعتبار الموسوي أن موقعه وحصانته تُجيزان له أن يُطلق ما يشاء من عبارات أو تهجمات على دولة كالمملكة السعودية، من دون الأخذ بالاعتبار ما يترتب عليه هذا الكلام من ارتدادات على لبنان، خصوصاً في هذا التوقيت فائق الحساسية، والذي لا يسمح بتبنّي أو تعويم هذا النوع من الخطابات، وعبر الاعلام الرسمي المعبّر عن رأي الحكومة اللبنانية بالتحديد، يجعل اهتمامه الشديد وإصراره بنقل كلامه عبر الوكالة الوطنية تحديداً، يعكس بأنه يسعى، ومن خلفه حزبه، لتكريس معادلة إعلامية جديدة، يستجّر من خلالها وسائل إعلام الدولة اللبنانية إلى التماهي مع مواقف "حزب الله"، الأمر الذي سيؤدي حكماً، في حال حدوثه، إلى افتعال أزمة بين المملكة ولبنان، ما يُمهّد إلى إبعاد لبنان عن السعودية وإلحاقه بالمحور السوري الإيراني، من دون الأخذ بالحسبان مصلحة لبنان العليا التي تُملي عليه الحياد عن الصراعات التي تلّم بالإقليم، كما لو أن الأزمات التي تعصف بلبنان لا تكفي.

الوكالة الوطنية، ومن خلفها وزير الإعلام والسياسة العامة للحكومة، بدت مدركة مدى حساسية وخطورة نقل وبث أي خطابات انتقادية أو هجومية على السعودية، من خلال أي وسيلة إعلامية رسمية، خصوصاً في هذا التوقيت الذي يشهد الأبعاد التي اتخذتها الأزمة الحاصلة بين السعودية وكندا، والتي كان سببها انتقاد، كان لفترة وجيزة يُعدّ عادياً ومسلّماً به، فإذا به يتحوّل أزمة سياسية كبرى واتهاماً بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، تبعه طرد واستدعاء للسفراء وقطع للعلاقات الاقتصادية، الأمر الذي يشي بأنّ مطالبة النائب الموسوي بنقل تهجمه على المملكة من خلال "الوكالة الوطنية للإعلام"، يهدف إلى دقّ الأسافين بين لبنان والسعودية، وذلك كحلقة في تصعيد الصراع في المنطقة عقب بداية تفعيل العقوبات الأميركية على إيران، والذي بدأت مؤشراته في التصعيد الأمني الخطير الذي حصل في غزة، عدا عن كون إيران أعلنت مؤخراً عن أنّ تصدّيها للعقوبات، سيكون من خلال انفتاحها وتوسعها على دول جديدة.

لم تتأخر "الوكالة الوطنية للإعلام" في الرد على الموسوي، موضحة، في بيان أصدرته اليوم، أنها تتبع لوزارة الإعلام، وأنها تعمل بمقتضى توجيهات وزير الاعلام ملحم الرياشي، الملتزم بسياسة النأي بالنفس، التي أقرتها الحكومة في بيانها الوزاري، ما يجعلها تمتنع عن "نشر أو نقل أي إساءة موجهة الى اي دولة شقيقة او صديقة من أي طرف كان، وضد أي طرف كان، وهي تستثني التعابير التي تتضمن قدحا وذما وعبارات نابية سواء أكانت موجهة للمملكة العربية السعودية الشقيقة، او الجمهورية الاسلامية الايرانية الصديقة، وذلك حتى تبقى الوكالة صرحاً للحرية المسؤولة، ومنبراً للجميع، ومطابقة تماماً لسياسة الحكومة اللبنانية".

هذا الرد حمل في طياته رسالة واضحة موجّهة للحزب، تُفيد بأنّ أي محاولة لابتزاز أو تطويع الاعلام الرسمي هو أمر مرفوض، وأنّ المعايير التحريرية المعتمدة في وسائل الاعلام الحكومية، لها حسابات مختلفة تماماً عن تلك المتعلقة بوسائل الاعلام الخاصة، التي لا تعبّر عن موقف الدولة، بل عن مواقف الجهات والأحزاب التابعة لها.

محاولات إخضاع "حزب الله" للإعلام الرسمي ليست حديثة العهد، والأمثلة على ذلك عديدة، يعود أبرزها إلى العام 2015، حين هلل الحزب لـ"تلفزيون لبنان" عقب نقله لقاءً مباشراً للسيد حسن نصر الله  مع قناة "الاخبارية السورية"، وأصدر حينها بياناً وصف فيه التلفزيون الرسمي بـ"المهني والمتوازن والعادل". ولم تكد تمرّ أشهر قليلة، حتى انقلب بعدها الحزب جذرياً على "تلفزيون لبنان"، معتبراً انه تحوّل إلى وسيلة إعلامية "غير مهنية بل مرتهنة وتابعة سياسياً"، وذلك عقب اعتذار وزير الإعلام آنذاك، رمزي جريج، للسفارة السعودية في لبنان على بث "تلفزيون لبنان" خطاباً للسيد حسن نصر الله، تضمّن هجوماً حاداً على المملكة. 

ما جاء على لسان الموسوي من هجوم وتصويب على "الوكالة الوطنية للإعلام"، لا ينفصل عن السياق الذي درج عليه "حزب الله" تجاه الاعلام الرسمي. لكن الفارق هنا، يتمثّل في اللحظة السياسية الراهنة التي تمر بها المنطقة، ومدى الحساسية العالية التي تبديها المملكة السعودية في الآونة الأخيرة تجاه أي تطاول أو نقد. ولبنان الذي جهد لإعادة العلاقات مع المملكة إلى سابق عهدها على أكثر من مستوى، لا يمكنه مسايرة النائب الموسوي ومن يقف وراءه، كون أي خطأ في هذا المجال قد يضعه في موقف لا يريده ولا تحمد عقباه.