النظام يدكّ #مهد_الثورة.. والمعارضة تنكفئ الكترونياً!

وليد بركسية
الأربعاء   2018/06/27
لا تكتفي صفحات المعارضة السورية وناشطوها، بالانكفاء واجترار خطاب الإحباط التقليدي، أمام المعركة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه في درعا، بل تبدو المعارضة، غائبة إلى حد كبير مقارنة بالضخ الذي يقدمه النظام عبر السوشيال ميديا، والذي يقود به معركة تحديد المفاهيم، التي كان إلى وقت قريب، خاسراً فيها.


وفيما اكتفى الناشطون المعارضون بتغيير صورهم الشخصية إلى شعارات "أنا مع درعا" أو "أنا أقف مع درعا"، إلا أن هذه الحركة لم تحظ بانتشار واسع مع تغيير الغالبية العظمى من مستخدمي مواقع التواصل، إلى شعارات لتشجيع المنتخبات المشاركة في كأس العالم. كانت صفحات النظام تروج لهاشتاغات وشعارات المعركة مثل #درعا_تتحرر أو #زلزال_الجنوب، بدلاً من استنساخها عن صفحات المعارضة أو عكس الشعارات الثورية مثلما كان الحال قبل سنوات.



وفيما يبدو تزامن المعركة المقصود مع المونديال سبباً في التأثير على حجم اهتمام الميديا العالمية بالمعركة نفسها، إلا أن السبب الحقيقي قد يعود إلى غياب الناشطين المعارضين عن الضخ والحشد عبر مواقع التواصل، حيث كان أولئك الناشطون في مناطق أخرى كحلب والغوطة الشرقية على سبيل المثال، المصدر الأول لوسائل الإعلام الكبرى من أجل تقديم قصص إخبارية عن المشهد السوري.

انتقال النظام إلى موقع الفاعل وتخليه عن رد الفعل لا يعود فقط إلى انتقال النظام من الخسارات الميدانية إلى "الانتصارات" وتحديداً بعد معركة حلب العام 2016، بل يرجع إلى الأهمية الاستراتيجية التي يوليها النظام لدرعا، لأن السيطرة على جنوب البلاد والمنطقة الحدودية مع الأردن، يعني إيقاف أي دعم سابق أو محتمل للمعارضة في تلك المناطق، وبالتالي تحويل الحرب في سوريا نهائياً إلى حرب داخلية، بشكل يماثل الأهمية التي أولاها النظام لمعركة حلب، نظراً للدعم التركي للمعارضة المسلحة في الشمال السوري.

وفيما يتم الحديث عن هذه المبررات الاستراتيجية في التغطيات المحلية اليومية (الإخبارية، الفضائية،..)، إلا أن الخطاب الإعلامي والشعبي للنظام يمتلئ بمبررات مختلفة، تحدد الهوية الثقافية للحرب، وهو ما بات النظام أخيراً بارعاً فيه، فيتم تحديد العدو أولاً بصفته الإرهابية الإسلامية، لأنها المحدد العالمي المشترك لهوية الخطر الأول على المجتمعات المعاصرة على الكوكب اليوم. إضافة لتحديد هدف أسمى من استخدام العنف، يتخطى متعة التبجح بفائض القوة، وهو تخليص المدنيين من العنف الممارس بحقهم من الإرهابيين، فضلاً عن الهدف النهائي المتمثل بـ "استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية".

البعد الإقليمي للمعركة يتجلى في خطاب موجه للشعب الأردني، بطريقة "إنسانية"، مع الاعتذار الدائم لهم عن "الإزعاج" الذي قد تسببه شدة المعارك القريبة من الحدود. يقول أحد ناشطي النظام في "تويتر" على سبيل المثال: "إلى أهلنا في أربد والرمثا: نعتذر عن أزعاجكم وتوتركم نتيجة سماعكم دوي القصف على الجماعات الارهابيين في درعا : فالشعب السوري تم إزعاجه وقتل أبنائه لمدة 8 سنوات بسبب غرف الموك المتواجدة في الأردن: فأستحملونا كم ساعة فقط .. ونلتمس منكم العذر".


والحال أن هذا الانتقال، والسلاسة التي يتسم بها تقديم البروباغندا الرسمية، تظهر خطورة النظام القابل للتطور، وهي خاصية تراكمية أظهرها النظام منذ وصوله للسلطة في انقلاب عسكري لحافظ الأسد العام 1970. ففيما كان النظام متماسكاً على مستوى الخطاب الدبلوماسي بعد العام 2011 إلا أنه كان هشاً على مستوى الضخ للرأي العام عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت منطقة جديدة بالنسبة له، سواء على صعيد مخاطبة الجمهور المحلي أو العالمي، مع تغيير التكنولوجيا لطبيعة تبادل المعلومات عن الأسلوب الذي اعتاده النظام في ثمانينيات القرن الماضي على سبيل المثال، حيث كان بالإمكان الاعتماد على التعتيم والإعلام الرسمي لخلق الوقائع المزيفة.

التدخل الروسي المباشر في البلاد العام 2015، ترافق مع دعم إعلامي، أحدث تغييراً في الدعاية الرسمية، على مستوى "المراسلين الميدانيين" كما أن حليفة النظام الأخرى، إيران، ساعدته بدورات إعلامية في طهران وغيرها لتجهيز المراسلين الميدانيين. وكل ذلك أثر على أساليب النظام في الدعاية، تحديداً في صفحات مثل "دمشق الآن" و"مراسلون سوريون"، وحسابات مختلفة في "تويتر"، باتت تقود البيئة الموالية على غرار الصفحات المعارضة التي انبثقت منها المظاهرات السلمية في الأعوام الأولى للثورة، فضلاً عن حسابات ومواقع وشخصيات أجنبية تقدم دعاية النظام باللغة الانجليزية عبر السوشيال ميديا وفي مواقع مثل "المصدر نيوز".

وهكذا لا تعبر شعارات النظام الأكثر راديكالية بأن "درعا هي مهد الفتنة وحان الوقت لوأدها"، عن حقد قديم تجاه المنطقة التي انطلقت منها أولى المظاهرات المطالبة بالتغيير الديموقراطي في البلاد فقط، بل تعبر أيضاً عن التغير الموازي في عقلية النظام المتطور يوماً بعد يوم، من أجل ضمان عدم قيام ثورة ثانية ضده في المستقبل، وإعطاء "الشرعية" لتصرفاته القمعية، بامتلاكه مفاتيح اللغة التي تحدد الحرب الثقافية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت الأساس لتحديد معاني "جدلية" كالإرهاب والثورة أو جريمة الحرب والانتصار.