عفرين تستحضر الرقة: الاقتصاص بالصورة

نذير رضا
الإثنين   2018/03/19
الاكراد اعتبروا اسقاط تمثال كاوة الحداد "انتهاكاً سافراً لثقافة الشعب الكردي وتاريخه"
بددت مقاطع الفيديو التي احتلت مواقع التواصل الاجتماعي، منذ الأحد، الاحتفالات التركية والمقاتلين الموالين لها بالدخول الى مدينة عفرين. تلك المقاطع، تحولت الى إدانة لمقاتلي عملية "غصن الزيتون" بما يتجاوز القدرة على احتوائها، بالنظر الى اقتصاصهم من الذاكرة الكردية عبر تدمير تمثال كاوا الحداد، والاقتصاص من السكان عبر "تعفيش" مقتنياتهم، وإجبار السكان على الهتاف بشعارات دينية، وهو ما يكرس المقاتلين بصورة "المحتل" بما يتخطى مزاعم "محاربة الإرهاب".

والحال إن الحرب في عفرين، لم تنتهِ بسيطرة عسكرية تركية على المقاطعة الكردية. فقد نشبت على جانبيها حربان: الأولى اعلامية، مرتبطة بالصور والفيديوهات التي تظهر النفس "الانتقامي" لدى مقاتلي "غصن الزيتون"، وهو ما كرسه الناشطون الأكراد في المداولات الالكترونية، والثانية هي حرب الخيارات السياسية، حيث دفعت العملية أكراد الشمال الغربي السوري نحو النظام، بحسب ما ذكرت مجلة "ناشيونال انتريست"، وشتتت قواهم وبددت القدرة على تحقيق الحلم الكردي بإنشاء فيدرالية في شمال سوريا. 
واذا كانت الحرب الثانية خاضعة لتجاذب اقليمي، ولن تستقر خياراتها على مشهد محدد، فإن الحرب الاولى انتصر فيها الأكراد بلا شك، رغم المقارنات الهشة بين السيطرة على الرقة بعد تدميرها، والسيطرة على عفرين بأقل قدر من التدمير.

وما زالت الرقة نقطة تجاذب اساسية في حرب الصورة بين أكراد سوريا، ومعارضيهم الموالين لتركيا. فالرقة، التي طرد منها "داعش" في معركة خاضها الاكراد والتحالف الدولي لمحاربة الارهاب، لا تزال حاضرة برمزيتها، والتعليقات التي تدين "الدمار والتهجير"، بحسب ما يقول خصوم الأكراد، فيما يستحضرها الأكراد في الرد على المقارنات، بوصف "تحرير الرقة انجازاً عجز عنه موالو تركيا". ولعل الصورة التي رفعت فيها لزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله اوجلان، اثر تحريرها من "داعش"، تمثل نقطة تحول في الصراع الذي أفضى أخيراً الى السيطرة على عفرين، و"الانتقام منها"، كما يقول الاكراد. 

وتمثل الرقة نقطة تحول رمزي، مهمة، في الصراع السوري. هي المفصل الأول، لناحية خلع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من تمثاله فيها، اثر سيطرة "الجيش السوري الحر" عليها، ومن ثم اتخاذها من قبل "داعش" كعاصمة لدولته المنهارة، قبل أن ترفع فيها صورة أوجلان. 

ما حصل في عفرين، هو الرد الاعلامي على ما حصل في الرقة. رُفِع العلم التركي على المباني الحكومية في وسط عفرين، وتم تدمير نصب شخصية رمزية كردية، بالطريقة نفسها التي ازيل فيها تمثال حافظ الاسد في الرقة. بهذا المعنى، بات خلع الزعامة عبر تدمير التمثالين من قبل جهة واحدة في المدينتين، اقتصاص بالوعي الجمعي السياسي. أما تثبيت الصورتين، علم تركيا في عفرين وصورة اوجلان في الرقة، فهو تكريس لزعامتين متناقضتين بالوعي نفسه. 

ويعتبر تمثال كاوا الحداد، أحد معالم الثقافة الكردية الهامة وسط عفرين السورية، كونه شخصية محورية في أسطورة كردية عن احتفالات عيد النيروز أو السنة الكردية الجديدة. واعتبره الاكراد "انتهاكاً سافراً لثقافة الشعب الكردي وتاريخه منذ الاستيلاء على عفرين". 

وتكتمل الحرب الميديوية بضخ بصري، ثبت نظرية الاكراد باعتبار ما جرى "احتلالاً". فصور التعفيش التي أدانها مؤيدون لـ"الجيش السوري الحر" أيضاً، تمثل ادانة بالغة لمقاتلين تم تشبيههم بقوات النظام لناحية تعفيش مناطق يدخلون اليها. وبدا المشهد على أنه اقتصاص من سكان عفرين، بسرقة ممتلكاتهم. ويُضاف الى صور أخرى، تظهر مقاتلي "غصن الزيتون" يرددون شعارات وهتافات مؤيدة لـ"الجيش السوري الحر"، يرددها بعدهم مدنيون يقفون قبالة المقاتلين.