عازار في مواجهة عزالدين: جمال المرأة كمعيار لإنتخابها

يارا نحلة
الأحد   2018/03/11
كان يُقال في السابق، إن المرأة اللبنانية لا تدخل المجلس النيابي إلا بالثياب السوداء، أي بالوراثة عن أبٍ أو زوجٍ راحل. اليوم، يبدو أن المعادلة قد تغيرت إذ لم تعد الثياب السوداء شرطاً للمشاركة في الحياة السياسية.

وحلت لدى البعض شروط جديدة كالجسد الممشوق، والعيون المكحلة، والوجه المتبرج والمنقح من قبل الكاميرا وتقنياتها التجميلية. وإذا كنتِ امرأة لبنانية راغبة بتولي منصب سياسي، إرمي شهاداتك جانباً، ضعي الكعب العالي وطلاء الوجه، وإرتدي إبتسامةً عريضةً تفرج عن صفٍ من الأسنان ناصعة البياض.

هذا ما توصلت إليه آخر النقاشات أو "الترهات" الفايسبوكية التي تناولت موضوع ترشّح الإعلامية جيسيكا عازار لمقعد نيابي. وأخذت تقارن بينها وبين مرشحة حركة أمل الوزيرة عناية عزالدين. المقارنة لم تكن على خلفية كفاءة المرأتين، أو خبراتهما أو إنجازاتهما الأكاديمية والمهنية، بل إقتصرت على عاملٍ واحدٍ هو عامل الجمال والجاذبية. 

فبعد موجة "التنكيت" على إحتمال دخول عازار إلى البرلمان الذي يعجّ بذكور شائبين وصلع سيسيل لعابهم أمام تلك الشابة، إنتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة تظهر وجهي المرشحتين، حصراً، مصحوبة بتساؤلٍ عبقري: "إنت مين بتفضل؟" 

من الواضح أن صانع هذه النكتة "الفذّة"، والذي يرجّح أن يكون ذكراً، قد سلّم بأن الجواب البديهي الذي سيجمع عليه اللبنانيون هو لصالح "الحسناء" عازار، في مقابل المحجبة عزالدين الحاملة لشهادة الدكتورة.

أولاً، دعونا نستعرض مؤهلات الإمرأتين كمرشحتين للانتخابات النيابية وليس مسابقة ملكة جمال. عزالدين هي وزيرة حالية وطبيبة متخصّصة بالطب المخبري، وهي عضو في الجامعة اللبنانية لعلوم الأمراض (باثولوجيا) وللطب المخبري، بالإضافة إلى عضويتها في الجمعية الأميركية للكيمياء السريرية، والجامعة الأميركية لعلوم الخلايا، والأكاديمية العالمية لعلوم الأمراض. أما عازار، فيقتصر سجلها الأكاديمي على إجازةٍ في الصحافة، وتتمثّل مسيرتها المهنية بإذاعة نشرات الأخبار وإعداد التقارير الإخبارية، وهي لم ترتقِ بعد إلى رتبة "محاورة" ولا تقدّم برنامجاً خاصاً بها.

هذه المقارنة ليست للتقليل من قدر عازار أو إنكار شرعية ترشحها وشغلها مقعد نيابي، فالجمال أيضاً لا يتعارض مع الكفاءة. والحقيقة أن عازار لا تزال شابة في مستهلّ مسيرتها المهنية، وقد تثبت مستقبلاً عن جدارة تتعدّى كونها "وجهاً" تلفزيونياً لل MTVالذي إتضح منذ سنوات تبنيها لسياسة "جمالية" متعلّقة بمذيعاتها الإناث. إن هذا العرض المختصر لمؤهلات الإمرأتين هو ببساطة مقارنة أكثر علميةً وإنصافاً من الأحاديث الدائرة على السوشيال ميديا. 

وتجدر الإشارة إلى أن عزالدين مرشحة عن المقعد الشيعي في دائرة الجنوب الثانية (صور-الزهراني)، في حين أن عازار مرشحة عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة المتن الشمالي، أي أن الإثنتين ليستا متنافستين، وبالتالي لا مكان للمقارنة الذي حرص الكثيرون على إجرائها. وبالإضافة إلى المضمون الذكوري الذي يختزل المرأة إلى مظهرها الخارجي ويعيب عليها عدم رضوخها لمعايير الجمال والأنوثة البالية، لا تخلو هذه النكتة من بعدٍ طائفي يتمثّل بالسخرية من الإمرأة المحجبة. 

أما الجانب الأقلّ وضوحاً لهذه المقارنة، والذي يضاهي بوقاحته الجوانب الأخرى، فهو العنصر الطبقي المتمثّل بهيئة عزالدين المتواضعة، في مقابل طلّة عازار المدعومة بأساليب تعزيز الجمال من الملبس إلى تسريحة الشعر، والماكياج، ومستحضرات التجميل واللائحة تطول.. (والجمال مكلف! لمن لا يعرف) أما مظهر عزالدين الخارجي، فهو يعكس صورة المرأة العادية التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى- وما دون- للمجتمع الذي تمثّله المرشحة، بغضّ النظر عن قدراتها المادية الخاصة. فالسخرية الذي تناول بها البعض عزالدين تطال كل امرأة لا تملك من الوقت وربما الثراء، ما يسمح لها بالبذخ في سبيل جمالها الخارجي.

الصورة التي نشرت في فايسبوك هي إهانة متعدّدة المستويات وهي لا تخصّ عزالدين فقط بل عازار أيضاً، إذ أنها تستخف بذكاء الإثنتين معاً. والمؤسف أيضاً أن صفحات المرشحتين على ويكيبيديا تنتقص أيضاً من قدر عازار كمرشحة، إذ تركّز صفحة عازار على "إرتباط إسمها باسم خبير المكياج بسام فتوح"، كما تخصّص فقرة كاملة عن شائعات إرتباطها بعلاقة عاطفية بالمغني كاظم الساهر. أما عزالدين فتشير الجملة الأولى التي تعرّف بها إلى كونها "ثاني وزيرة لبنانية محجبة في تاريخ الحكومات اللبنانية المتعاقبة".

الواقع أن الذكورية الرجعية التي عبّر عنها روّاد الفضاء الإفتراضي من ناشري ومتبادلي هذه النكتة السمجة، يقابلها إقدام وإصرار نسائيين في دوائر الترشيح وعلى أرض الواقع، مع وصول عدد النساء اللواتي قررن خوض المعركة الانتخابية إلى 111 امرأة، بالرغم من وقوف كلّ الإحتمالات ضدّهن. ولذلك لا بدّ من تقديم تحية لعازار وعزالدين وكل النساء اللواتي يواجهن، إلى جانب منافسيهن، منظومة أبوية لمجتمع يقلّل من شأن المرأة ويحطّ من قدرها بكل السبل الممكنة.