بعد اعتذار خالد علي: البحث عن مساحة آمنة للنساء

أحمد ندا
الخميس   2018/02/22
لم تأخذ حادثة مساحة من النقاش والتوتر والانحيازات الحادة في المجال العام المصري، ما أخذته واقعة "إيميل الاغتصاب والتحرش" الحادة في زخمها. استطاعت في أوقات كثيرة أن تغطي على نقاشات الانتخابات الرئاسية، لتقاطعها بالتأكيد مع اسم المرشح خالد علي من ناحية، ومن ناحية أخرى، تفجر نقاشاً كان قد انطلق منذ أشهر بعد حملة "مي تو"، خصوصاً أن "المتهم" هذه المرة شخصية عامة من اليسار، الذي "يفترض" أن يكون حامل همّ قضايا حق المساحة الآمنة للنساء في المجال العام. 

الإيميل أُرسِل منذ أشهر، لكنه لم يصعد على السطح إلا في الشهرين الأخيرين، مع ترشح علي.

اعتذر خالد علي في بيان طويل في فايسبوك، وأعلن استقالته من "المركز المصري لحقوق الإنسان" ومن حزب العيش والحرية، وهو ما رأى فيه كثير من مناصريه أنه "مرضٍ" واعتذار شجاع، لكن القطاع "الأصغر" المدافع عن حق صاحبة الإيميل، رأوا في اعتذاره محاولة "يائسة" أخيرة لحفظ ماء وجه خالد علي، وأنه ليس كافيا بصيغته الحالية.

ربما تكون القضية قد هدأت قليلا بعد انسحاب خالد علي وإنهاء حياته السياسية بنفسه، لكن الأسئلة التي أثارتها القضية سوف تستمر. 

لعل أهم الملاحظات التي يمكن التوقف عندها بعد هدوء الضجيج قليلاً، أنها المرة الأولى التي تُناقش فيها قضية نسوية بهذه الحيوية داخل "المجموعات" الأكثر تقدمية، نابعة في معظمها من تجارب وجدت لنفسها متنفساً عبر هذه القضية للكلام في طبيعة الكود الأخلاقي الذي يجب أن يكون حاكماً لطبيعة التعاملات بين النساء والرجال في هذه المجموعات. 

طبيعي أن يكون النقاش في ذروته غير عقلاني، وربما هستيري، لأسباب عديدة أهمها أنها ليست نقاشات نظرية تجريدية، بل إنها تمسّ الحياة اليومية والتهديد اليومي للنساء في المجال العام من ناحية، ولسبب آخر، هو انغلاق المجال العام تماماً.

فما تلقاه النساء داخل المجموعات التقدمية أو المحسوبة على اليسار -أو أياً كان توصيفها- هو نفس ما يلقاه رجالها من قمع أمني وملاحقة بوليسية، يُضاف إليها "التهديد" داخل مجموعاتها التي يفترض أن تكون آمنة. لذلك كان من المنطقي أن تأخذ الخلافات الحدة التي وصلت إليه على مواقع التواصل الاجتماعي.

أسوأ المعطيات التي قدمها "المدافعون" عن علي ومن معه، كان في تبريرهم أن إثارة مثل هذه القضية يفتح شهية الأمن على التشهير، وهو ما حدث بالفعل. استغلت الصحف القومية والبرامج التلفزيونية المحسوبة على الأمن، وخلطت وقائع بأخرى -كما قال خالد علي في بيانه- بل إن تامر عبد المنعم على قناة "العاصمة"، كرس من وقت برنامجه يومياً ليتحدث عن تفاصيل ما يُثار ويُقال. 

الفكرة أن الأمن "يحاصر" إعلامياً مجموعة خالد علي ومن معه، ولا يتورع عن كيل الاتهامات بالجملة له، ومن المعيب الكلام عن نقاوة أخلاقية خاصة في ظل مشكلة مثل مشكلة الإيميل، وعليه، فإن القول بالصمت لأجل معركة أكبر هي فكرة لا تختلف كثيراً عن خطاب الدولة في أولوية قضايا على حساب أخرى، خصوصاً وأن الميزة الأهم في مجموعات اليسار اجترائها على النقد الذاتي وتصحيح أخطائها، وأن القضايا يمكن بل ويجب في كثير من الأحيان أن تنجز على التوازي لا التتابع. 

وعلى كل، فثمة انتصار حدث بالفعل، وهو في سياقه ليس هيناً، انسحبت شخصية عامة من الحياة السياسية بسبب قضية نسوية كبيرة. الخوف كل الخوف من أن يتحول هذا الانتصار وتبعاته إلى إعادة خلق كود أخلاقي أكثر محافظة ليكون السبيل الوحيد لمساحة آمنة للنساء، وهو ما يستوجب النقاش وعلى نفس قدر أهمية النقاش حول آليات تجريم المتحرش والمغتصب.