الانسحاب الأميركي من سوريا.. الأكراد يبكون عزلتهم

وليد بركسية
الخميس   2018/12/20
لم يترافق قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا، بكثير من الصدمة أو الدراما في مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف الناشطين الأكراد تحديداً، رغم أن الحلفاء الأكراد، الذين كانوا قوة أساسية في هزيمة "داعش" على الأرض، هم الخاسر الأكبر في المشهد السوري المعقد.


وتعززت شكوك أكراد سوريا بتحالفهم مع واشنطن خلال السنتين الأخيرتين، وبالتحديد بعد عملية غصن الزيتون التركية في منطقة عفرين، التي لم تمنع الولايات المتحدة حصولها، إضافة للموقف الأميركي السلبي من الاستفتاء الكردي في العراق على الاستقلال. ومع تراكم الخيبات الكردية، كان طبيعياً أن يأتي رد الفعل اليوم، بسيطاً. فكتب عشرات الناشطين الأكراد في "تويتر" عبارات مثل "أميركا للمرة الألف تبيع الأكراد" أو "لن يبقى للكردي إلا الريح"، علماً أن النقاشات تعددت بين هاشتاغ #الأكراد، وهاشتاغ #روجافا، وعبارات بحث أخرى ذات صلة.

وثبت بتخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأكراد، أن سعي الأكراد للحصول على مكاسب من الحرب السورية، تبدأ بالحد الأدنى وهو الاعتراف بهم كمواطنين بعد اعتبار النظام كثيراً منهم كأجانب لعقود، وصولاً للحد الأقصى المتمثل بإقامة دولة كردية مستقلة، لا تتعدى كونها أوهاماً رغم نجاح الأكراد في إقامة إدارة مستقلة في مناطق نفوذهم، حققت نوعاً من الإدارة المدنية لمناطق خارج نطاق سيطرة الأسد، وهو ما فشلت فيه كافة فصائل المعارضة الإسلامية الأخرى.

ولا يعود ذلك لمنطق الحق أو الصواب التاريخي، وإن كان الأكراد يستحقون تلك المكاسب أم لا، حيث أن هنالك معوقات سياسية كثيرة تقف أمام كل تلك الطموحات، وأبرزها علاقة تركيا بالغرب، بوصفها دولة في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وهو ما جعل عشرات الناشطين السوريين المناهضين للأكراد، من الموالين للنظام والمعارضين له، يتجهون نحو خيار الشماتة وكأن الانسحاب الأميركي، حقق لهم انتصاراً سهلاً على خصم محلي آخر في الحرب السورية متعددة الأطراف، من دون بذل أي جهد لذلك.

وتداول ناشطون العبارة التي علقت بها "قوات سوريا الديموقراطية" على القرار الأميركي بوصفه "طعنة في الظهر". هذه العبارة العاطفية المجردة، تحيل إلى إدراك كردي مسبق بالفشل في إقناع واشنطن بأن أكراد سوريا يشكلون حليفاً يجب التمسك به على حساب العلاقات مع الدول الإقليمية. وهو ضرب من التفكير الفانتازي بطبيعة الحال، وربما يكون ذلك سب عدم وجود هاشتاغ موحد أو حملة أو مناشدة أكبر للولايات المتحدة، للعدول عن القرار، سواء في وزارتي الدفاع والخارجية، أو حتى الكونغرس، مع التسليم بعدم وجود جدوى من تحرك مماثل، خصوصاً أن الموقف الأميركي الداخلي معقد وممزق في ظل رئاسة ترامب.

إلى ذلك، كانت تركيا حاضرة في النقاشات السورية حول القرار في "فايسبوك" و"تويتر"، فبينما قدم ناشطون أكراد خيارات للتصرف أمام أي هجوم تركي محتمل على شرق الفرات ينهي الإدارة الذاتية تماماً، تحدث آخرون عن نصر تركي، فيما توقف آخرون عند صفقة تركية - أميركية، تقضي بالتخلي الأميركي عن الأكراد مقابل التنازل التركي عن قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي التي باتت محرجة للإدارة الأميركية والرياض على حد سواء، مع الإشارة إلى أن أنقرة لطالما رأت في الوجود الكردي على حدودها الجنوبية، مصدراً للقلق بسبب ارتباطات أكراد سوريا المفترضة مع حزب العمال الكردستاني المحظور.

الخيار الكردي الأكثر رواجاً في مواقع التواصل، يتحدث عن التواصل مع النظام السوري كي يملأ الفراغ الذي سيخلفه رحيل القوات الأميركية، علماً أن الإدارة الذاتية لم تقطع قنوات التواصل مع النظام طوال السنوات الماضية، وأجرى الطرفان مفاوضات قبل أشهر لكنها لم تسفر عن أي شيء، وكان هذا المشهد ككل، مثيراً لبهجة الموالين للنظام السوري، الذين تجاوزوا الشماتة بالأكراد الذين "سيعودون لحضن الوطن" بعدما تمت تعرية "مشروعهم الانفصالي"، نحو الحديث عن نصر سوري على الغرب في سوريا.

وفيما استند ترامب في تبرير قراره على تنفيذ الهدف الأميركي القديم بهزيمة "داعش" في سوريا، يبدو للوهلة الأولى أن الصراعين الأقدم والأطول في سوريا، يتجهان إلى النهاية رسمياً، أي الحرب ضد "داعش" والثورة ضد النظام. لكن مستوى التشنج في السوشيال ميديا بين الأطراف الموالية لأطراف النزاع الأخرى، تشير إلى أن الصراع قد لا ينتهي كلياً بل ينتقل إلى المستوى الثاني فقط، مع تغير أجندات الأطراف، ما يعد بمزيد من العنف مع غياب أي معنى حقيقي للدولة كبناء سياسي في سوريا.

لا يعني ذلك أن الأكراد يعودون للمربع الأول، حيث لا يمتلك النظام مصلحة كبيرة في الضغط على الأكراد مثلما كان يفعل قبل عقود، عندما كان يحرمهم من الدرجة الثانية، أو لا مواطنين في سوريا الأسد، مع عدم اعتراف السلطات بهم ومنعهم من حقوق بسيطة كالتعليم والحصول على بطاقات شخصية، لأن الضغط عليهم قد يدفعهم نحو بدائل مثل التنسيق مع أكراد العراق مثلاً، وهو ما تمنعه التجاذبات الإقليمية، وتجلى في ترحيب الصفحات الموالية للنظام السوري بالأكراد كمواطنين يعودون لحضن الوطن.

وهكذا لا يصبح مصير الأكراد مشابهاً لما حصل لفئات سورية أخرى في السابق، اتخذت مساراً مختلفاً خلال الحرب السورية، لكن خيبة الأمل المشتركة السائدة في مواقع التواصل تبقى أمراً بسيطاً أمام الشعور بعدم العدالة في نفوس جيل الحرب وما بعد الحرب، مع اليقين بأن العودة لحكم النظام قد تعني العودة لحالة الظلم التاريخية نفسها. ما يترك السوريين، عرباً وأكراداً ضمن دائرة مفرغة لا تترك مجالاً كبيراً للغفران والمصالحة، وتهدد بدوامة عنف جديدة في المستقبل.