إيران وأميركا: لعبة العروش..والادوار

نذير رضا
الأحد   2018/11/04
طهران صوّرت سليماني على انه حامٍ لـ"العرش" الايراني ورمزته

 من البلاهة اقتياد التراشق البصري الدائر بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، الى منحى حقوقي، بتسليط الضوء على اقتباس الرئيس الاميركي لعبارته "العقوبات قادمة" من مسلسل "لعبة العروش". فالرد الايراني يحمل مؤشرات على استعداد لخوض حرب، بحسب ما تفيد الرسالة المدفوعة الى العالم عبر اختيار سليماني للرد، وليس اي مسؤول ايراني آخر، وبحسب ما تفيد العبارة المكتوبة أسفل صورة سليماني القائلة "سنواجهك"، وليس "سنواجهكم"، إذا ما رُبطت العبارة بتصريح للمرشد علي الخامنئي عندما اعتبر ان ترامب "ألحق العار" بالولايات المتحدة.

ومع أن الجانب المتعلق باقتباس عبارة من "لعبة العروش"، يمثل جزءاً من أزمة ثقافية داخلية، تتكفل القوانين الاميركية بحلها، الا أن استخدامها يحمل دلالات بالغة الدقة على أن ما يجري هو محاولة لازاحة النظام الايراني. ففي معرض الاعلان عن هدف سياسي، يجوز استخدام رسالة مقتبسة من مضمون عمل فني يخدم المواجهة، ويرتبط حكماً بمساعي التغيير.

انها لعبة العروش اذن. مواجهة بصرية – دعائية تطال عرش نظام على أعتاب الاربعين، وعرش رئيس على اعتاب سنته الثالثة في ولايته الاولى، والتي يتوقع أن تجدد في ولاية ثانية. ومع أنه لا عروش في الشكل، بالنظر الى ان نظام البلدين رئاسي، الا ان الطرفين يتصرفان كما لو أن البلدين محكومان بنظام الشخص الواحد. عرش مؤقت لترامب، وعرش ممتد للمرشد ووارثوه. 

الرسالة الاميركية، رد عليها الايرانيون بمقاربة عسكرية. رمزية الجنرال سليماني، كوكيل للأعمال العسكرية الايرانية في المنطقة، توحي بأن المعركة لن تكون ساحتها دفاعية في ايران، وإلا لكان الرد من قيادة القوات المسلحة الايرانية أو وزارة الدفاع.

التهديد الايراني، بالصورة، يشير الى ان المواجهة ستكون في الاقليم، وساحاته الممتدة من العراق الى سوريا وربما اليمن. يتكفل سليماني ذلك، بوصفه حامياً لـ"العرش" الايراني. تم ترميزه على هذا النحو، بدليل صور أخرى انتشرت في حسابات "انستغرام" الايرانية، أحدها يصور سليماني يؤنب الاميركي ويفرك اذنه عندما يمسك الاميركي بقميص الشعب الايراني. فضلاً عن صورة اخرى انتشرت، تظهره يمسك بأذن ترامب أيضاً.

والحال ان الايرانيين أعطوا الأزمة بعداً عسكرياً. أوحوا، من خلال صور انتشرت للجنرال سليماني، بأنهم لا يمتلكون الا الرد العسكري كخيار على العقوبات. يحاولون بذلك حصر الحلول مع الولايات المتحدة بهذا الجانب، استدراجاً لتسوية محتملة. فالتجربة أثبتت أخيراً، ان تصعيد المواقف الى حدود التلويح بحرب، أو الوقوف على شفيرها، يفتح فرص التسوية، ولهم بذلك كوريا الشمالية مثلاً، إذ جرى احتواء التصعيد بعد واقعة التراشق بالتهديد النووي، الذي بلغ ذروته بعبارة "زرّي أكبر من زرّك".

فصل الايرانيون مسار المواجهة مع ترامب نفسه، عن مسار حلول مقترحة، عبر تقسيم الادوار. يلوم خامنئي الرئيس الاميركي، ويعتبره عاراً على الولايات المتحدة، من غير التلويح بأي رد عسكري مباشر، رغم أنه تعهّد بهزيمة واشنطن. أما الادارة الايرانية الاصلاحية، ففتحت قنوات دبلوماسية مع اوروبا والصين وروسيا (الدول التي وقعت على الاتفاق النووي الايراني) لفصل المسارات. فطهران هنا، تسيرها 3 أجنحة تتقاسم الادوار ولا تتعارض في ما بينها. تلوّح بحرب محدودة موجهة ضد ترامب، وتستبق تداعيات اي مواجهة عسكرية غير مباشرة (ولو أنها مستبعدة حتى هذا الوقت) في الولايات المتحدة، بالقاء اللوم على ترامب، وتعزز خطوط المحادثات مع اوروبا.

لكن رغم ذلك، تقف ايران في موقف الضعيف، والمرتاب من العقوبات الاميركية التي ستكون الأقسى في تاريخها. وهو ما يدفعها لاستدراج تسوية، عبر الاجنحة الثلاثة وأدوارها المتنوعة، لن تكون بعيدة، وتثمر على الاقل، تمديداً لمهلة استئناف النشاط النووي لما بعد 2025، وتطويقاً لبرنامج الصواريخ الباليستية وتقييداً لنشره في الاقليم.