المقدسيون يُسقطون فلسطينياً لرئاسة البلدية.. بالمقاطعة

أدهم مناصرة
الخميس   2018/11/01
يقول رمضان دبش إنه "يعمل من أجل القدس وأهلها.. لكن بطريقته"
لم يكن المقدسي رمضان دبش، الذي خاض انتخابات بلدية الإحتلال في القدس إلى جانب خمسة مرشحين يهود، الحالة الأولى أو "السابقة" التي يترشح فيها فلسطيني لهذه الإنتخابات كما تعتقد الغالبية. لكنها الحالة الاولى التي يُسقط فيها "فايسبوك" مرشحاً فلسطينياً، إثر الدعوات المتزايدة لمقاطعة الانتخابات عبر الموقع الازرق، بعدما شن الاحتلال حملة لازالة اللافتات الداعية للمقاطعة في المدينة. 

ووسط غضب أهل المدينة وشنهم حملة ضد رمضان دبش، وضد المشاركة في التصويت، لم تنجح الإغراءات الإسرائيلية في دفع المقدسيين للمشاركة في انتخابات بلدية الإحتلال في القدس التي جرت، الثلاثاء، وكانت جولة الإعادة الاربعاء، ولا حتى جرّ عواطفهم من باب أن مقدسياً من بني جلدتهم هو أحد المرشحين. حتى أن ذلك أدى إلى عدم حصول المرشحين على نسبة الحسم؛ ذلك أن مشاركة المقدسيين لم تتجاوز الصفر، فمن شارك في التصويت خلسة وعلانية منهم لم يكن لعددهم اي قيمة في عملية الإقتراع.
واللافت ان دبش، ليس أول فلسطيني يترشح لرئاسة بلدية القدس تحت سلطة الاحتلال. فقد حدث أن شارك أحد سكان القدس الفلسطينيين، قبل نحو عشرين عاماً، في الترشح لمرحلة معينة دون أن يستمر للنهاية، لكنه كان يتحدر أصلاً من أراضي 48.

منذ اللحظة الأولى للتحضير لهذه الإنتخابات، شددت القوى الوطنية والدينية في المدينة المقدسة على مقاطعة بلدية الإحتلال، من منطلق أنه لا شرعية لهذه البلدية ولا كل الأجسام الإحتلالية المفروضة على السكان الأصليين. فغزت اليافطات واللافتات الداعية إلى المقاطعة معظم شوارع المدينة وبمحاذاة مراكز الإقتراع، فضلاً عن المنشورات والتغريدات التي كانت طاغية في فايسبوك وتويتر.

فما كان من الإحتلال إلّا أن رد على ذلك بحملة اعتقالات بحق الناشطين المقدسيين وابعاد بعضهم عن المدينة، علاوة على ازالة اليافطات التي تدعو اهل القدس لعدم المشاركة، لأنها تعني الخيانة والتخلي عن المبادئ الوطنية. والنتيجة أن الإلتزام بالمقاطعة كان حديدياً.

ورصدت "المدن" منشوراً لأحد الناشطين الفلسطينيين، من الضفة الغربية، يثني فيه على الموقف الوطني لأهل القدس، قال فيه: "صباح الخير للمقدسيين الأطهار، الذين لن يدنّسوا تاريخهم الوطني بالمشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة. ندرك جميعًا حجم الخذلان الذي تعيشونه".

وبموازاة ذلك، صبّ المقدسيون خاصة، والفلسطينيون عامة، جام غضبهم عبر فايسبوك، على المرشح رمضان دبش بصفته خان مبادئه الوطنية كي يُجمّل وجه الإحتلال ويعترف به. ومن ذلك ما كتبته الصحافية المقدسية هبة أصلان في صفحتها الفايسبوكية عشية الإنتخابات: "لا أفهم كيف لصور باهر (قرية المرشح) التي قدمت وجارتها جبل المكبر، الغالي والنفيس، فداء للأرض، أن تخرج لنا بما يسمى رمضان دبش وتسمح له بالمشاركة بانتخابات بلدية الاحتلال بالقدس؟!..سيحصد الفتات ويلعق الأحذية".

ووجد المقدسيون في فشل دبش في الإنتخابات بعد الجولة الثانية، الأربعاء، الفرصة العظيمة كي يعبروا عن شماتتهم به، بصفته لم يشفع له "خذلانه"، ولم ينتخبه اليهود في ظل مقاطعة السكان الأصليين. 

وقد تجلّى هذا الموقف بما قاله الناطق بإسم أهالي حي سلوان المقدسي، فخري ابو دياب، لـ"المدن"؛ إذ شدد على أن ترشّح فلسطيني واحد من القدس في انتخابات بلدية الاحتلال لا يساوي شيئاً من أصل 348 ألف مواطن مقدسي رفضوا نهجه الخارج عن "الصف الوطني".

ويضيف ابو دياب "رمضان لا يمثلنا ولا نريد ان نسمع من شخص يعادي مبادئنا ووطنيتنا".
وأكد ابو دياب: "مقاطعتنا ليس فقط للإنتخابات وإنما نعبر بذلك عن عدم اعترافنا ببلدية الاحتلال. فهي تقدم أقل الخدمات لنا رغم أنها تنتزع منا ضرائب طائلة".

وفور الإعلان عن فشله في الإنتخابات، سارع عدد من اقارب ومعارف رمضان دبش إلى مواساته عبر صفحته في فايسبوك، قائلين له: "الحياه كلها تجارب.. وكل تجربة بتعلم دروس كثير.. كله بيبني شخصيتك وبيصنع منك شخص أقوى وأخبر. هاي الدنيا كلها مصاعب".
ولم تفلح نداءات رمضان عبر صفحته الفايسبوكية، يوم الإنتخابات، لدفع المقدسيين إلى المشاركة، بسبب ما يواجههم من عنصرية لصالح اليهود.

وينحدر رمضان دبش من قرية صور باهر المقدسية، وتحوم حوله شكوك بأنه عضو في حزب الليكود الإسرائيلي، وهناك من يتهمه من المقدسيين بالإرتباط مع الإحتلال. وفي المقابل، هو يقول "إنه يعمل من أجل القدس وأهلها.. لكن بطريقته".

ولعل مشاركته تدعم دعاية إسرائيل المزعومة أمام العالم حول "ديموقراطيتها" التي تسمح لفلسطيني كي يترشح لرئاسة سلطة محلية (البلدية) لا سيما في القدس. وهو الأمر الذي ينظر اليه الفلسطينيون بعين الخطورة البالغة؛ فأن يساعد فلسطيني في ترسيخ رواية الاحتلال هو "الدمار بعينه".

بيدَ أنهم يؤكدون أن المقدسيين قالوا كلمتهم رغم كل شيء وصفعوا هذه المحاولات الإسرائيلية من خلال مقاطعة الانتخابات البلدية، كما هي عادتهم طيلة سنوات الإحتلال.

جدير ذكره، أن ثمة أربعة مرشحين مقدسيين آخرين كانوا قد رشحوا أنفسهم أيضاً لرئاسة بلدية الاحتلال في القدس، بحجة أنهم يريدون أن يشكلوا عدداً مؤثراً لصالح أهل المدينة في وجه التهويد والعنصرية الاسرائيلية، لكنهم سرعان ما انسحبوا مُحرَجين تحت وطأة التحذيرات الوطنية والدينية من القوى والوجهاء في القدس على اعتبار الخطوة "خيانة" واعترافاً بالاحتلال وأجسامه.

في المقابل، يرى داعمون لفكرة المشاركة المقدسية في انتخابات بلدية الإحتلال- رغم قلتهم- أن السكان الأصليين يشكلون 38% ممن يحق لهم الإنتخاب، كما أن حزب "ميرتس" الإسرائيلي الذي يشكل مؤيدوه اليهود نسبة 5% على استعداد لدعم مرشح فلسطيني لرئاسة البلدية، ما يعطي امكانية لفوز مرشح فلسطيني للمرة الأولى منذ احتلال المدينة العام 1967. ويتساءلون: "لماذا لا نناضل بهذه الطريقة؟!".

ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن أي نتيجة من هذا القبيل من شأنها أن تكذب رواية اليمين التي تعتبر "القدس موحدة"، فتدفع المجتمع اليهودي إلى المطالبة بتقسيم المدينة إلى شطرين، أحدهما لإسرائيل، والآخر للدولة الفلسطينية، رغماً عن اليمين ذات يوم.

يُشار إلى أنه من الناحية التاريخية، فإن القدس شهدت تعاوناً عربياً-يهودياً في إدارة بلديتها، وكان ذلك إبان عشرينيات القرن الماضي- اي قبل الإحتلال الإسرائيلي، فكان رئيسها من آل النشاشيبي، في حين كان نائبه آنذاك يهودياً.