ابنة الرئيس تصف اللبناني بـ"الساذج": مكاشفة فاقعة

نذير رضا
الإثنين   2018/10/08
مكاشفة الممتلئ بإحساس القوة
لعل أكثر ما يحتمل النقد في تصريحات مستشارة رئيس الجمهورية اللبنانية، ميراي عون هاشم، حين وصفت اللبناني بـ"الساذج"، أنها حصرت الصفة في مستخدمي مواقع التواصل، وتبنّي الشائعات. فما قالته، لم يكشف الأسباب الحقيقية التي تدفع معظم السياسيين إلى الاعتقاد بأن اللبناني "ساذج". ولو كشفت الأمر، فسيكون ذلك جديداً على الأدبيات السياسية اللبنانية. ذلك أن السذاجة، هي حكم مسبق، يفترضه السياسيون تجاه المواطن، ويفترضه المواطن أيضاً، ويُسمع يومياً في المجالس الخاصة والعامة.

حصرت ميراي عون قضية السذاجة في تصديق مواقع التواصل، فانتفض كثيرون على الوصف، ودافع آخرون عن نظرتها. كل من منظاره السياسي، ومن خلفيته السياسية. والجميع يدرك أن الشائعة تسري كالنار في الهشيم، بين الناس، ولا تزيلها الإيضاحات بالكامل.

لكن النقمة التي سادت، ناتجة عن أن مسؤولاً أطلق الوصف على الرعية، علماً أن اللبناني سمع ما هو أقسى منه، وصفّق له، حين وصف منصور الرحباني اللبنانيين بالـ"تيوس"، وحين وصفهم الراحل كمال جنبلاط بالـ"تبعيين". وأكثر، حين وصف سعيد تقي الدين الرأي العام بـ"البغل". 

والواضح أن قسماً من السياسيين، ينظر إلى المواطن على هذا النحو، باستناد "علمي" تكرسه نتائج الانتخابات التي لم تثمر تغييراً جوهرياً في السلطة، إلا في ما ندر. وهي احدى صفات اللبناني وتتيح حكمه، وممارسة أضاليل الهواجس الطائفية والسياسية بحقه، وتخويفه في دعايات انتخابية وشعارات طائفية، تعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها. 
بعض اللبنانيين سذّج؟ نعم. قسم منهم، قد يكون كبيراً، يعاني السذاجة كونه يصدق أركان السلطة، وهو ما تؤكده اعترافات اللبنانيين اليومية. هذا الرأي بات شائعاً في أوساط النخب والبسطاء على حد سواء، حين يختبرون الأزمات. 

في قضية التبعية السياسية، يصح وصف اللبنانيين بالـ"سذّج"، وليس في ملفات أخرى. فاللبناني ليس ساذجاً حين يخطط لأعمال ويحقق انجازات علمية ورياضية ومهنية خارج لبنان. معضلته الوحيدة تكمن في لبنان، في سلطة تنظر اليه بوصفه قاصراً، أو غير مؤهل، ولا تشركه في خططها. لا يشعر في الغالب، بقيمته الانسانية أو العلمية أو المهنية، بينما يجترح السياسيون الحلول وحدهم، وينجحون في الغالب، في ايجاد مخارج لأزمات البلد وأزماتهم الشخصية، وهو ما يخلق شعوراً لدى قسم من السياسيين، بأن الرعية "سُذّج".

وصف ميراي عون، جاء فاضحاً من دون شك، حتى لو كان محصوراً في اطار تماهي رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الشائعات. الجديد في الأمر، أن وصفاً مشابهاً يأتي من دوائر قريبة من السلطة. إذ لطالما طُمر هذا الاعتراف في الأروقة السياسية، وبقي ضمن جدران الغرف المغلقة. 

واللافت أن الاعترافات في دوائر السلطة القريبة من الرئيس، غالباً ما تصدم، رغم أنها معروفة، وهي محل تكهنات كثيرة. ساهم موقعهم في قلب السلطة، بمكاشفة اللبنانيين بقضايا وشؤون لم تكن محل اعتراف في السابق. هي مكاشفة الممتلئ بإحساس القوة. المكاشفة التي لا يُتوقَّع بعدها رد فعل للرأي العام. وإن صدر رد فعل فلن يكون مؤثراً في موازين القوى التي تحكمها اعتبارات مغايرة بالكامل. والمكاشفة "البسيطة" هذه، ليست الشفافية. فهذه الأخيرة تحترم جمهورها، أما "الصراحة" التي نشهدها هنا فقائمة على شيء آخر تماماً.

فوزير الخارجية جبران باسيل، مثلاً، باح للبنانيين بسرّ الإحجام عن منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأولادها. كان اعترافه صادماً، واثار موجة استنكار وانتقاد. لكنه في الواقع، السر الذائع الذي حاول السياسيون اللبنانيون كتمانه منذ سبعين عاماً. وبالطبع، السبب الذي يحول دون منح البنانية المتزوجة من أجنبي، جنسيتها لأولادها، ناتج حكماً عن هواجس طائفية، ظل الجميع، قبل باسيل، يخجلون من المجاهرة بها. 

اللبنانيون سُذّج؟ الى حد ما. وما تكيفهم مع الأزمات، وبقاؤهم تحت سقف حكم واحد، فيه شبهات فساد، سوى الدليل على أن حصر الصفة بالمتماهين مع الشائعة ليس الوصف الدقيق للبنانيين، بل سلوك حياتهم وتكيفهم مع وقائع بلد لا يستحق تضحياتهم.