أزمة خاشقجي: حذر فرنسي.. وسؤال البيت السعودي الداخلي

حسن مراد
الثلاثاء   2018/10/23
خلافاً لـ"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" أو حتى "الغارديان"، لم تلعب الصحف الفرنسية دوراً محورياً في إثارة قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لكن حالما تحول اختفاء خاشقجي إلى قضية رأي عام دولي، مالت الصحف الفرنسية إلى تبني فرضية مقتل خاشقجي وتحميل السلطات السعودية، بشخص الامير محمد بن سلمان، كامل المسؤولية. 
غالباً ما دخل الإعلام الفرنسي الى الواقعة، من منطلق سياسي، حيث توقف عند أفق العلاقات السعودية -الغربية من ناحية، والبيت الداخلي السعودي من ناحية أخرى.

ورغم محاولات الصحافة الفرنسية تبيان تبعات اختفاء ثم وفاة خاشقجي، ورغم أن تغطيتها لهذه القضية اختلفت بعض الشيء قبل الوفاة وبعدها، إلا أنها ما زالت حذرة في ما تنشره. فكل الاحتمالات مفتوحة لدى الدوريات الفرنسية سواء لعلاقات المملكة الخارجية أو لمستقبل الحكم السعودي. 

تسعة أيام مرت من الحادثة، قبل أن تنشر Le Monde مقالاً تناولت فيه اختفاء معارضين سعوديين بين أيلول 2015 وشباط 2016 ، حالات اختفاء حملت بصمات ولي العهد السعودي بحسب الصحيفة الفرنسية. 

كما أنه وبعد إقالة أحمد عسيري وسعود القحطاني من منصبيهما عقب إعلان السعودية وفاة خاشقجي، تناولت الصحيفة نفسها سوابق الرجلين في قمعهما للصحافيين المعارضين. 

المقالان غمزا من قناة أن هذه الممارسات ليست غريبة عن أسلوب حكم بن سلمان، ولا عن المقربين منه. لم تبتعد صحيفة Le Figaro عن هذا المناخ، فنشرت في اليوم نفسه موضوعاً شكك فيه بالرواية الرسمية معتبرة أن الملف لم يغلق بعد.

وقد ركزت الصحف الفرنسية في معرض تناولها لهذه القضية على نقطتين اثنتين: أفق العلاقات السعودية -الغربية من ناحية والبيت الداخلي السعودي من ناحية أخرى.

بداية الأمر، رأت غالبية الصحف الفرنسية أن الضغط الممارس على المملكة من الولايات المتحدة وتركيا والدول الأوروبية مدروس بعناية، ولن يتعدى محاولة الحصول على ثمن سعودي. فصحيفة Libération نشرت رسماً كاريكاتورياً لترامب وماكرون وهما يبيعان الأسلحة فيما بن سلمان يقطع أوصال جثة.  

من جهتها كتبت إيزابيل لاسير في Le Figaro أن الدول الاوروبية غارقة في مشاكلها الاقتصادية والسياسية وبالتالي لن تغامر بالتضحية بمصالحها مع السعودية. في المقابل تساءلت لاسير عن البديل في حال ابتعدت الولايات المتحدة عن المملكة، لتجيب أنه في هذه الحال قد تكون إيران المستفيد من احتمال تأزم العلاقات السعودية -الأميركية لا سيما لإعادة الاعتبار للاتفاق النووي.

لكن ومع مرور الوقت، خصوصاً بعد التأكد من وفاة خاشقجي، باتت الصحف الفرنسية أكثر تركيزاً على المواقف الحازمة التي تبنتها عواصم غربية حيال هذه القضية، كما تسليط الضوء على التباين الأميركي – الأوروبي في مقاربة العلاقة مع الرياض.

في هذا الإطار، اعتبر جان دومينيك ميرشيه من على صفحات L'opinion  أن المواقف الدولية حيال هذه القضية تطرح مفهوما جديداً "للواقعية السياسية". فبعدما كانت المصالح تغلب على المبادئ باسم تلك الواقعية، أصبحنا في عالمٌ يفرض على أصحاب القرار الأخذ بعين الاعتبار ميول ومواقف الرأي العام والصحافة والمنظمات غير الحكومية.  

والمقصود بشكل رئيسي بكلام ميرشيه مقاطعة المؤتمر الاستثماري "دافوس الصحراء". 

فالصحف الفرنسية، لا سيما الاقتصادية منها، أبدت اهتماماً في معرفة الشركات والشخصيات الفرنسية المقاطعة للمؤتمر. وقد تضاعف اهتمام الصحف في تناول البعد الاقتصادي لهذه القضية بعد الإعلان الرسمي السعودي عن وفاة خاشقجي لاسيما لإمكانية استخدام الرياض لسلاح النفط في حال فُرِضَت عليها عقوبات اقتصادية.

الجانب الآخر من القضية الذي استحوذ على اهتمام الصحف الفرنسية هي انعكاساتها على البيت الداخلي السعودي وعلى وجه الخصوص المصير السياسي لولي العهد. 

ولعل الصحيفة الأكثر نشاطاً على هذه الجبهة كانت Le Figaro حيث تناولت، في أكثر من مادة، حالة السخط داخل العائلة المالكة وفي الأوساط الدولية من تجاوز بن سلمان للخط الأحمر. فبعد حرب اليمن ومقاطعة قطر واحتجاز الأمراء وتقويض الحريات، أتت "قشة خاشقجي".

مقاربة القضية من هاتين الزاويتين تعني أن الصحف الفرنسية، وإن كانت تضع في اعتبارها أن الغلبة قد تكون للمصالح الاقتصادية، إلا أنها لا تستبعد أن تكون لها انعكاسات على المملكة. فالضغوط الدولية من جهة وتنامي حالة التململ داخل الأسرة الحاكمة من جهة أخرى، قد يدفعان إلى الحد من سلطات بن سلمان من خلال تعيين ولي ولي للعهد على سبيل المثال. وإذا ما صحت هذه الفرضية، لم تستبعد Le Figaro أن تكون خطوة تمهد لعزله مستقبلاً.