انستغرام للأثرياء.. فايسبوك للفقراء

نذير رضا
الجمعة   2018/01/19
لا فوارق بنيوية بين أبناء الأثرياء حول العالم. كلهم يظهر حياة الترف المبالغ فيها، والسعادة التي تعبر عنها صورهم المنتشرة في حسابات مختلفة في "انستغرام".
لكن هذه الصور التي تنبذها الخلفية الثقافية والاقتصادية لبعض البلدان، لن تشكل ذريعة للاستياء الشعبي من الفوارق الطبقية، ذلك ان الموقع بات منصة الاثرياء، وأبنائهم، فيما يلوذ الفقراء بالموقع الازرق "فايسبوك". 

استخدم "فايسبوك" على نطاق واسع للثورة على الواقعين الاجتماعي والسياسي في الشرق الاوسط. ارتبط اسم الموقع بأحداث مصيرية عصفت بالمنطقة، منذ اندلاع شرارة الربيع العربي في أواخر 2010 في تونس. اكتسب سمة "ثورجية"، وبات ملاذاً لوقود الإحتجاجات، والداعين لها. وهؤلاء، على الاغلب، هم الفقراء، الذين لهم مطالبهم لدى السلطة. أظهرهم، وفتح صفحاته لهم، واكتسب شعبويته من تماهيه معهم، بحيث بات المنصة، والمشتكى.

على النقيض، نادراً ما استخدم الاثرياء الموقع الأزرق لإبراز ترفهم. ثمة منصة أخرى تتسع لكل مظاهر الحياة المخملية، يرتادها الجميع بغرض التعرف الى العالم الآخر للأثرياء، باستثناء فقراء إيران الذين وجدوا فيه أخيراً، الى جانب "تيليغرام"، ملاذاً بديلاً من "فايسبوك" و"تويتر" المحظورَين. علماً أن الأكثر استخداماً لـ"انستغرام"، حتى في إيران، هم الأثرياء وأبناؤهم. 

لكن أبناء الأثرياء في طهران، ليسوا وحدهم من يجد فرصة لاظهار الترف ورغد العيش عبر موقع الصور الأكثر انتشاراً. فقد ارتبط الموقع بالاثرياء حول العالم. يستخدمه أبناء الطبقة المخملية في  دبي، ولندن، ومناطق أخرى. غير أن الجديد، هو استخدام الموقع من قبل أبناء الأثرياء في البلدان الفقيرة، والذين حجزوا زاوية ثابتة لهم في داخله، معلنين ما يتناقض مع صورة بلدانهم في وسائل الإعلام.  

وليس هناك ما يبرز الفوارق الطبقية في إيران واسطنبول وروسيا، أكثر من صفحات أبناء الاثرياء فيها. ثمة لغة مشتركة بين الجميع، عمادها الرفاهية، ورغد العيش، وحياة المجون في بعض الأحوال. يتباهى هؤلاء بسيارات "فيراري"، ومجوهرات "سينييه"، ونزهات اليخوت والفتيات الجميلة، والطائرات الخاصة وفنادق الخمس نجوم. 

ويبدو أن فوارق ثلاثة تميز أبناء الأثرياء حول العالم. ففي لندن، أو المدن الأميركية مثلاً، هذا النمط مألوف، وينطلق من نظام البلد الاقتصادي، وحرية التداول التي تتيح جمع الثروات. وفي البلدان الفقيرة، فإنه يكشف الفوارق الطبقية في روسيا أو الصين أو تركيا، وحتى في زيمبابوي. 

أما في ايران، فإن حصر الاختلافات في الجانب الاقتصادي، كما أظهرته المداولات الاعلامية إثر موجة الاحتجاجات الأخيرة، ينتقص الى الرؤية الثقافية التي يكونها بعض وسائل الاعلام عن البلاد. ذلك ان صفحة أبناء الأثرياء في طهران، تكشف حالة تمرد بين أبناء الاثرياء على النظام الديني القائم، بالنظر الى اظهار كؤوس المشروبات الروحية، والفتيات المتحررات من الحجاب، وتلك التي لا تجد مانعاً اجتماعياً أو دينياً من التقاط الصور بلباس البحر. 

في الأعوام السابقة، منذ العام 2013، ظهرت صفحات ايرانية في "انستغرام" تظهر ابناء الاثرياء متحررين من الضوابط الدينية. تبين في ما بعد، من بعض المشاهد وخلفيات الصور، أن الصور لم تُلتقط في داخل طهران. وهو ما دفع روادها، ومديروها أخيراً، الى تصحيح الخلل، عبر تصوير جوانب من المدينة في خلفيات الصور، تثبت أنها ملتقطة في داخل ايران، من غير تحديد مواقع التصوير، أو الأحياء التي يقطنها الاغنياء والمتحررون.

في الواقع، حوّل هؤلاء منصة الصور الى ساحة مترفة في مواقع التواصل الاجتماعي. بات "انستغرام" باحة الاثرياء، وهو ما يكشف بعد استخدامها لسنوات، أن مواقع التواصل مقسمة طبقياً. كل منها له جمهوره ووجهته واستخداماته. ولم يجد ابناء الاثرياء أفضل من انستغرام للنأي عن التداول السياسي، والالتصاق بحياة الترف.