مثلية أو شذوذ؟ اللغة ضيفة ثقيلة على الإعلام المصري

أحمد ندا
الخميس   2017/09/28

- دعوة صريحة في حفل مذاع لاستقطاب الشباب للدخول في دائرة "المثاليين"


- "المثليين"؛ بس أنا باقول بلاش المثليين دي، بندلعهم.. هما الشواذ

- الشواذ أو الشِمال

- الشِمال ألطف

كانت هذه الحوارية القصيرة، جزءاً من نقاش بين محامي الأخلاق العامة المهووس بالظهور الإعلامي سمير صبري وأحمد موسى، على إثر رفع علم "قوس قزح" في حفلة "مشروع ليلى"، وبعدما صارت القضية هي الشغل الشاغل للرأي العام المصري، حتى أنها قضت سريعاً على "تريند" أحمد الفيشاوي والكلمة "خرا" التي قالها في مهرجان الجونة السينمائي. وإذا كان "تريند" الفيشاوي قد خلقته كلمة، فـ"تريند" علم قوس القزح شق الصف تحت لواء كلمتين: مثلية وشذوذ.

أحياناً، تكفي المفردة وحدها للتعبير عن الموقف الأخلاقي، وطبيعة الانحياز ودلالته، وليست في حوارية سمير صبري وأحمد موسى إلا تعبيراً واضحاً عن وعي الطرف المصاب برهاب المثلية بطبيعة التورط الذي يترتب على اختيار الكلمة. هكذا لم يجعل موسى الكلمة تمر من دون أن يعدلها لصاحبها، للتأكيد على عداوته الجذرية حتى على المستوى اللغوي.

لكن المسألة لم تقف عند هذا الحد، إذ وجد كثيرون من مؤيدي الدولة الفرصة مواتية لاستغلال النفور المجتمعي من المثلية، للقفز على النتائج، ليعود موسى أيضاً ويقول إن رفع العلم في الحفل لم يأت إلا بعد أحداث يناير 2011، وأن أول من استضاف هذه الفرقة هو باسم يوسف، ويجب التعامل مع القضية باعتبارها قضية أمن قومي، لأن مصر بلد إسلامي.

ومثل موسى ذهب دندراوي الهواري في مقاله باليوم السابع، إلى ربط رفع العلم، بالمؤامرة على مصر التي بدأت في يناير 2011، بل إنه ذهب إلى ما هو أبعد، باعتبار أن "شواذ مشروع ليلى ينتمون لـ6 إبريل وشاركوا في 25 يناير وداعمين لمنظمة مثليين بمصر!!" وعلامات التعجب من مقاله هو، للتأكيد على "الفزع" الذي يريد إيصاله.

وجدت كل الأطراف المحافظة والمؤيدة للدولة في اللقطة التي لا تتعدى الدقيقة، فرصة لخروج صوتها. "حزب النور" السلفي الذي لم يُسمع له صوت منذ شهور، عادت إليه أخيراً حنجرته الأخلاقية الإسلامية، ليصدر نائب رئيس كتلته البرلمانية، محمد صلاح خليفة، أنه سيتقدم بطلب إلى رئيس مجلس النواب المصري لمساءلة وزيري السياحة والثقافة عن مسؤوليتهما عن ذلك التسيب الأخلاقي.

وبما أن الحادث وراءه حفلة، فكان لا بدّ من أن يأتي وقت وتتكلم فيه نقابة المهن الموسيقية، أيضاً، وعلى لسان وكيلها رضا رجب، بالقول إنها قررت وقف الحفلات المقبلة لـ"مشروع ليلى"، حيث أن النقابة ليست جهة قمع، لكن مثل تلك الحفلات لن تقام في مصر مرة أخرى. وقال رجب إن النقابة ضد أي "فن شاذ"، وتبرئ نفسها من الاتهامات بأنها وراء مثل تلك الحفلات، موضحاً أن إقامة أي حفلة يستلزم موافقة جهات ثلاث، والنقابة واحدة منها، بينما الطرفان الآخران هما القوى العاملة والمصنفات والأمن العام.

الداخلية أدلت بدلوها في وجهين: الأول، نفت أن الحفلة حصلت على موافقة أمنية. والثاني، بإلقاء القبض على 7 شباب بدعوى أنهم رفعوا العلم. والتخريجة القانونية ليست بالأمر العسير، خصوصاً أن القانون المصري لا يجرّم المثلية بقوانين صريحة، لكن هناك مداخل أخرى أكثر مرونة مثل "نشر الفسق والفجور، وخدش الحياء العام" وغيرها من قوانين الحسبة الأخلاقية التي تصلح للاستخدام مع أي حالة من هذه الحالات.

الشاعر الرقيق –بدوره- فاروق جويدة في مقاله في "الأهرام"، ترك رقته الـ"نزار قبانية" المنتحلة، وكشر عن أنيابه الأخلاقية المصرية الأصيلة وقال "كيف تسرب هؤلاء مثل السرطان إلى خلايا الشباب المصري". أما أكثر اللقطات "مسرحية" على الشاشة، فهو ما قام به معتز الدمرداش في النقاش حول المثلية، إذ قام بطرد ضيفه بعدما قال الأخير إن مصر والسعودية فيهما أكبر عدد من المثليين في المنطقة.

ليست الغرابة في طرد معتز الدمدراش لضيفه، بل الغرابة الحقيقية في استضافته من الأساس. إذ بدا مما سبق ذكره أن الصوت الوحيد المهيمن على الشاشات والصحف والمواقع هو الفزع وإثارته حتى حدوده القصوى، وبالتالي لا صوت يعلو فوق صوت الهجوم على المثليين، ووصمهم بـ"الشواذ".

**

في السوشيال ميديا، كان النقاش أكثر احتداماً، إذ أنها المكان الوحيد الذي يمكن أن تفتح فيه مجالات للتفكير من دون إجبار على خطاب رسمي.

بدأت متابعة الحفلة، بتعادل كفتين ما بين مؤيدين لرفع العلم، وآخرين يهاجمونه: لا جديد في الأمر. غير أن "الانفجار الكبير" كان مع فيديو أطلقته سارة فؤاد المعروفة بـ"مذيعة الشارع" وقد تخلت عن خفتها المعروفة لأجل وقار الأخلاق العامة، وهاجمت فكرة الحفلة وحضورها على وجه العموم.

الفيديو حصد الملايين في أقل من يوم، وفتح باباً عنيفاً للنقاش والانحيازات الحدية بين طرف مؤيد لما تقوله سارة فؤاد، وآخر يرى فيها انتهازية أخلاقية لواحدة من مشاهير الفايسبوك المعروف عن فيديوهاتها "الهلس"، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك، بالقول إن أداءها وملبسها لا يناسبان حدتها في الدفاع عن منظومة أخلاقية هي نفسها تخرقها "بعدم حجابها".

فيما وجد الإخوان المسلمون ملحمة تناسب غيبوبتهم الواقعية، إذ وضعوا رفع العلم وتبعاته في كفة، وعدم إقامة جنازة لمهدي عاكف، مرشد الإخوان الأسبق، في كفة. لتكون الصورة النهائية بشاعرية جملة: "في الوقت الذي رفضت فيه الدولة إقامة جنازة للشيخ المجاهد سمحت للشواذ بإقامة حفلة"، ثم صمتوا تماماً بعد الإجراءات "الأخلاقية" العنيفة التالية.

على أن النقاشات الافتراضية في كثير من تفاصيلها كانت أكثر وعياً وتفكيكاً لمشهدية اللقطة، ودورها في دعم أو الإضرار قضايا المثليين ومسائل الهوية الجنسية، وعادت إلى النقاشات قضية "كوين بوت" الشهيرة في التسعينيات في مصر، ثم قضية حمّام الرجال قبل عامين، وكيف يمكن للأقلية الجنسية اكتساب أرض في واقع أكثر عنفاً ورفضاً للإختلاف، أي اختلاف، فما بالك بالاختلاف الجنساني؟

**

سيتضاءل الحديث عن المقولات الاجتماعية النظرية في هذه الواقعة، والعنف اللغوي الواضح في الإصرار على استخدام مفردة "الشواذ" مع السلطة المشهدية للقطة رفع العلم أمام الواقع، حيث إن النقاش والآثار المترتبة عليه غير معنية بقضية المثلية عموماً، بقدر ما يعنيها "إعلانها". 

ولعل ذلك الجدل المثار يفتح باباً لدراسات اجتماعية أكثر وعياً بتاريخ المثلية في مصر، بعيداً من الهوس البوست كولونيالي عند جوزيف مسعد، الذي يذهب إلى أن ثنائية مثلي/غيري الجنسانية، ثنائية إمبريالية رأسمالية اختلقها الغرب، وسعى إلى تعميمها على الشعوب التي لا تخضع لجنسانيته، زاعماً عالميتها، رغبة منه في الهيمنة والسيطرة، وأن هذا التصنيف لا يعدو في الحقيقة أن يكون تصنيفاً ثقافياً غربياً. توصل مسعد إلى هذا بالتركيز على الخطاب الإبستمولوجي والأنظمة المعرفية التي تنطلق منها "الأممية المثلية"، لا على الخطاب السياسي لها.