الوحدة الاسرائيلية 636.. ما علاقتها بحرب لبنان؟

أدهم مناصرة
الإثنين   2017/09/04
المُلامسة الواقعية لقدرات الجيش الإسرائيلي تكشف أنه "جيش تكنولوجي"
تعي اسرائيل جليّاً أهمية استثمار كل شيء في سبيل نشر المواد الدعائية الهادفة إلى ردع الفلسطينيين والعرب من مُنطلق "الوقاية الإستباقية" التي قامت على اساسها النظرية التقليدية لحماية الدولة العبرية، فجاءت مواقع التواصل الإجتماعي لتجد المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية فيها منصةً تشكل اضافةً نوعية لجهودها الرامية لتكريس هذا التوجه، ولو كان عبر الناطق العسكري، افيخاي ادرعي.
أحدث "الصَرْعات" الإسرائيلية على هذا المنوال، مواصلة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، افيخاي ادرعي، استعراضاته عبر ما ينشره بين حين وآخر على صفحته الفايسبوكية لتحقيق هدف الردع الإستباقي من ناحية والتأكيد على ما يسميها القوّة الخارقة لجيش دولته العبرية من ناحية ثانية، محاولاً تثبيت مقولة أن "اسرائيل لها قدرات كبيرة، ما يجعل الانتصار عليها أمراً مُستحيلاً" من خلال الاعتماد على إحدى نظريات الإعلام التي تفترض أن "كثرة عرض نماذج الانجازات والنجاحات لطرف ما، يُقلل من حافز المتلقي ليحقق نفس النجاحات او ما يفوقها؛ ذلك أنه سيشعر بالإحباط من التفوق عَلَيْه أو أن يكون مثله".

وليس بعيداً من هذا السياق، ينشر افيخاي ادرعي فيديو في صفحته الفايسبوكية لمتظاهرين فلسطينيين خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية في إحدى مناطق الضفة الغربية تم تصويرهم بواسطة جنود مدربين لهذا الغرض، ثم سُرعان ما تم توظيف تلك الصور من أجل إدانة عدد من الشبان لإعتقالهم ومحاكمتهم.

ويكتب ادرعي على الفيديو المذكور: "رصد رامي الحجارة عن طريق الفيديوهات واعتقالهم. نقف للمخرّبين بالمرصاد حتّى التخلّص التّام من العمليات الإرهابية، فلا شيء يخفى على جيش الدفاع وسنلاحق جميع المخربين حتى القبض عليهم".

 جاء هذا الاستعراض من أدرعي بالتزامن مع اعلان الجيش الإسرائيلي قبل أيام عن تأهيل وحدة جديدة من قواته تحت اسم (وحدة الجمع القتالي 636) للقيام بعمليات التقاط صور للمتظاهرين وأخرى لمواقع، من أجل أغراض أمنية عبر الرصد ثم التعقب واعتقال الهدف وإدانته بالصورة المزعومة، في محاولة من تمكين هذه الوحدة من تحقيق "الوقاية المنشودة" ولو اعلامياً عبر الترويج لإنجازاتها وتضخيمها على هذا الصعيد وإخافة كل مٓن يفكر بذلك لما في ثقافة الصورة أثر في نفس المُتلقي.

وبحسب المراقبين، فإن الفكرة والأسلوب في عمل هؤلاء الجنود ليسا جديدين، فما أن انطلقت ساعة الصفر للانتفاضة الثانية العام 2000 حتى بدأنا بمشاهدة جنود اسرائيليين يتولون مهمة تصوير الفلسطينيين على محاور التماس والمواجهة، غير أنّ الجديد هذه المرة وبعد سنوات يكمن في الادوات والتقنيات المستخدمة بعمليات التصوير علاوة على التأهيل والهيكلية والتنظيم لهم ضمن وحدة عسكرية مستقلة مخصصة لهذه الغاية. 
 
ووفقاً لمعلومات رصدتها "المدن" بناء على بحث مُعمّق عن ماهية هذه الوحدة، يتضح أن وحدتين في الجيش الإسرائيلي مخصصتان لعمليات التصوير لأغراض متباينة ومتعددة كل منها حسب اختصاصه؛ فمهام الوحدة التي يتزعمها الناطق العسكري تكون لأغراض دعائية، لكن أحياناً تُستخدم صورها إذا كانت لها أهمية عسكرية.

وهناك وحدة – 636 وتُسمى "وحدة الجمع القتالي". قوامها العشرات من الجنود، وهي استخبارية ميدانية (تابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي)، لا تكتفي بتصوير متظاهرين وملقي الحجارة على المستوطنين وجنود الاحتلال، بل تستهدف أيضاً لأغراض عسكرية مباني وبيوتاً وإحداثيات لمناطق وحارات في الضفة الغربية وقطاع غزة وأيضاً في مناطق قريبة من الحدود مع اسرائيل من جهة لبنان وسوريا. 

ولذلك يذهب متخصصون في الشأن الإسرائيلي إلى الربط بين الإعلان عن تأهيل هذه الوحدة أخيراً والتحضير لحرب لبنان المستقبلية التي تعتقد تل ابيب انها حتمية وإن طالت، فهي تندرج في إطار حرب العقول إذاً، حينما تُعلن عن تأهيل الوحدة المذكورة. وتستخدم اسرائيل الإعلام من أجل الترويج لذلك، من خلال الرسالة الضمنية التي مفادها "إن جيش اسرائيل يستعد استباقياً وبكل الوسائل لمعارك المدن والحارات مع مقاتلي حزب الله". 

والواقع إن الفكرة والأسلوب ليسا جديدين، إذ أنهما حاضران بشكل جلي منذ سبعة عشر عاماً، غير أن الوسائل والتنقينات هي الجديدة هذه المرة، وتعمل عبر تأهيل وحدة مُنظمة من الجيش الإسرائيلي لأداء المهمة على أكمل وجه، وفقاً للرسالة الدعائية المزعومة من الدولة العبرية.

مرت وحدة 636 بمراحل عديدة منذ ظهورها على مدار السنوات الماضية، إذ تشكّلت في بادئ الأمر بطريقة مختلفة عما هي عليه الآن، وكان الجنود يُوكلون بالمهمة فُرادى ضمن القوة التي تقمع المتظاهرين خلال الانتفاضة الثانية (توزيع مهام اكثر من كونه اختصاصات)، لأن الحاجة الأمنية الإسرائيلية لهذا الأمر كانت مُلحة حينها، ثم نُقلت الوحدة لاحقاً إلى قيادة "الأذرع البرية في الجيش الإسرائيلي".
وفي ما يخص وحدة الناطق العسكري ذات الغرض المزدوج (دعائي وأمني)، فهي بالإضافة لتصوير متظاهرين فلسطينيين خِلسةً، تنشر صوراً لتدريبات الجيش الإسرائيلي بمختلف تشعباته عبر المنصة الإفتراضية، بغية التأثير في النفس العربية.

فها هو ادرعي يستعرض على سبيل المثال، لا الحصر، قدرات بدنية خارقة للجيش الإسرائيلي، ذكوراً واناثاً، كما لو انها هولوودية؛ فنرى افيخاي يعلق على صورة لمجندات جميلات يقفزن عن ساتر اسمنتي مرتفع أثناء التدريب، بجملة "مدرّبات اللياقة البدنيّة في جيش الدفاع، البطلات اللّواتي يحافظن على قدرات المحاربين القتالية عاليةً". افيخاي يحاول من هكذا صور وتعليقات ان يقول ضمنياً إن مقاتلات الجيش الإسيرائيلي "جميلات وقويات"، لتحقيق الردع النفسي باللاوعي في آن، والإعجاب بهذا الجيش في آن آخر. "افيخاي لا يترك لا شاردة ولا واردة"، أو بالأحرى، هكذا يظن هو.

 بَيدَ أن افيخاي أغمض عينيه عن الكثير من المشاهد لجنود اسرائيليين يهربون من فتية فلسطينيين يلقون عليهم الحجارة في إحدى أزقة بيت لحم فيسقطون أرضاً، لأنهم غير قادرين على الهرولة والركض ويفتقرون للياقة المطلوبة، كما تناسى ذلك المشهد لقوة من جنود الاحتلال يسقطون ارضاً أيضاً بينما هم يهربون من نيران قناص من "حماس" إبان حروب غزة المتعاقبة، وقائمة الأمثلة في هذا المضمار تطول.

وفي هذا الإطار، تكشف المُلامسة الواقعية لقدرات الجيش الإسرائيلي، أنه "جيش تكنولوجي" بامتياز، بمعنى أنه قوي بما يمتلك من قدرات متقدمة من هذا النوع على مستوى العدة والعتاد مروراً بالمعلومة الإستخبارية، وليس لقدراته الجسدية ولياقته. فافيخاي ادرعي يُمكن له أن يُسوق فكرة "الجيش الرقمي"، لكن حتماً ليس "الجيش ذو اللياقة العالية".

غير أن ما يُساهم في تسويق "كذبة ادرعي" هو سياقات التفاعل المتباينة للعرب على صورة المجندات الإسرائيليات، فهناك من علق على صورة المجندات بشكل لا يخلو من الهوس الجنسي بعبارة " طب احنا عاوزين نحاربكو في الشقه عندي فاضيين امتى؟". بينما تمنى البعض الهزيمة لإسرائيل، وآخرون تماهوا كعادتهم جهلاً وقصداً مع "بروباغندا افيخاي ادرعي".

يتضح مما سبق أن وحدتي التصوير في الجيش الإسرائيلي، سواء ذات الغرض الدعائي او العسكري، تتقاطعان في أهدافهما، وترتكزان بشكل اساس على التضخيم الإعلامي لإنجازاتها المُدّعاة ولو افتراضياً، أكثر من الواقع الميداني، بالرغم من الخطورة الشديدة لهاتين الوحدتين على أرض الواقع. ليُطرح السؤال: ما دامت الوحدتان سالفتا الذكر تحققان الإنجاز المطلوب بالميدان، فلماذا تلجأ اسرائيل الى "فايسبوك" للترويج لهما وعبر صفحة الناطق افيخاي ادرعي؟.. أم أنه المزج بين الميدان والإعلام حتى تكتمل البروباغندا الإسرائيلية؟!.. ثم هل تنجح اسرائيل في ردع العرب والفلسطينيين افتراضياً أولاً، ثم واقعياً؟