عمرو موسى.. والأكل الناصري السويسري

أحمد ندا
الإثنين   2017/09/18
تحقيقات صحافية مصرية سألت عن "طعام عبد الناصر"، معتمدة على كتب هيكل، للتأكيد بأن ناصر كان يفضل "الجبن الأبيض"
لا وزير خارجية عربياً منذ التسعينيات، أكثر شهرة من عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق، وأمين جامعة الدول العربية السابق. فهو الذي أرسى قواعد الدبلوماسية الصاخبة، من دون فعالية على أرض الواقع. وهو صاحب التصريحات اللاذعة المختلفة عن لغة الدبلوماسيين الهادئة المحايدة، والتي جذبت أنظار الشعب المصري ومن ثم العربي إليه، حتى غنى له شعبان عبد الرحيم "أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى". 
ولأن فكرة أن ينشر عمرو موسى مذكراته، لن تمر مرور الكرام من دون أن يثير الضجيج المناسب لشخصيته وحضوره في المجال العام، سمّى كتابه "كتابيه" انسجاماً مع الآية القرآنية "هاؤم اقرءوا كتابيه"، وهي الآية التي روج بها في "تويتر" لمذكراته، في خطوة شديدة الذكاء، ولافتة للغاية لجذب الأنظار إلى الكتاب.

ثم في حفل توقيع الكتاب، استطاع موسى أن يجعل نفسه في قلب الاهتمام المصري، بعد تصريحاته حول جمال عبد الناصر، والواردة في مذكراته، حيث قال موسى إن عبد الناصر كان يستورد طعاماً خاصاً له من الخارج، وتحديداً من سويسرا، لاهتمامه بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن، وكان يرسل من وقت إلى آخر من يأتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا. وقال موسى إنه خلال عمله بسفارة مصر في سويسرا كان رجل ضخم الجثة يأتي لاستلام الطعام، وكان موسى هو المسؤول عن تسليمها له.

ووصف موسى، جمال عبد الناصر، بالديكتاتور الذي قاد مصر الى الهزيمة، مضيفاً أن مظاهرات التنحي مسرحية، وأن عبد الناصر اختصر مصر في شخصه، فكل ما هو جيد له جيد لها، واعتبر أن سياسات عبد الناصر هي سبب اندلاع ثورة 25 يناير2011.

كما روى الأمين العام السابق للجامعة العربية قصة صورة جمعته بجمال عبد الناصر العام 1966، وكذلك اللقاءين الوحيدين اللذين جمعا بينهما، قائلاً: "التقيت عبد الناصر مرتين في حياتي. الأولى كانت في 21 أكتوبر 1966 فى نيودلهي، عندما ذهبت مع وفد ترأسه هو للقاء إنديرا غاندي، بعد توليها رئاسة وزراء الهند، فقد تقرر عقد قمة ثلاثية لإنديرا مع عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي، جوزيف تيتو. وجلست أنا وعبد الرؤوف الريدي خلف الرئيس لنكتب محضر اجتماعه مع إنديرا غاندي".

وأضاف موسى: "المرة الثانية كانت أثناء عملي بمكتب وزير الخارجية، محمود رياض، قبل هزيمة يونيو 1967 بأيام، وهو التاريخ الذي أعتبره نهاية صولجان عبد الناصر وبداية لتدهور الأحوال المصرية. فقبل بدء الحرب، قرر عبد الناصر إغلاق خليج العقبة، وسحب القوات الدولية من سيناء، وأغرق البلاد بأجواء تعبوية كبيرة. وأذكر أن من بين الشعارات التي تم تردادها في الإعلام خلال هذه الفترة "العقبة قطع رقبة"، في إشارة لمصير أي قوة إسرائيلية تحاول المرور من خليج العقبة بالبحر الأحمر".

ما ورد على لسان موسى وفي مذكراته ليس بالأمر الهين بالتأكيد، لكنه يعبّر عن موقف موسى من ناصر بوضوح، وبالتأكيد هو الأمر الذي سيطلق شرارة الغضب الناصري. غير أن الناصريين، وعلى قدر سطحية انتمائهم الأيديولوجي، تركوا كل ما قاله عمرو موسى، وركزوا في واقعة "الأكل من سويسرا"، وعليها صارت واقعة إعلامية.

فريدة الشوباشي تخرج لتقول: "عمرو موسي بيقول ان عبد الناصر كان بيجيب اكله من سويسرا.. اكيد الريٓس كان بيبعته هو.. يجيب الآكل.. وإلا عرف ازاي؟.. حد يقوللي". أما مصطفى بكري، فقد استضاف عبر برنامجه حقائق وأسرار، هاتفياً، سامي شرف مدير مكتب جمال عبد الناصر، وقال فيه "لم يحدث مطلقاً أن استورد عبد الناصر طعامه من سويسرا، الدواء فقط كان يستورده من الخارج. وأتحدى أن يُثبت ادعاءاته".

أما بكري نفسه فقال بدوره: "طعام جمال عبدالناصر كان الجبنة والخيار. أول مرة أسمع أنه كان يرسل مندوباً لسويسرا، عبد الناصر كان بسيطاً في حياته، بسيطاً في أكله وملابسه، ولم يسعَ لأن يكون مختلفاً للشعب المصري، عاش مع الناس، ورحل وهو يدافع عن مبادئه. هذا الكلام استفزني.. أول مرة أسمع هذا الادعاء، لم يحدث ولم يروَ تاريخياً، والاستخبارات الأميركية فتشت في ملف عبد الناصر، وقالوا مقولتهم الشهيرة: فتّشنا في الملف ولم نجد رذيلة لجمال عبدالناصر".

في مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث الجميع تحت هاشتاغ #عمرو_موسى، بجدية أحياناً وبسخرية أحياناً، أخرى عن الأكل السويسري وعبد الناصر، لكن أكثر التحليلات اللافتة، أن توقيت صعود اسم عمرو موسى مرة أخرى إلى السطح وبهذه الضجة، يعود الى أن الرجل يعد لخوض الانتخابات الرئاسية في العام 2018، الانتخابات التي يحتاج السيسي فيها إلى مرشحين ذوي حيثية ليخوضا معه تمثيليته الرئاسية، وليس هناك من هو أهم من عمرو موسى نفسه في السياسة المصرية.

عمرو موسى، بعد الضجيج الذي أثاره، خرج في مداخلة هاتفية مع رشا نبيل في برنامج "كلام تاني"، ليقول: "لا أرى في الجدل حول مذكراتي شيئاً سلبياً"، معتيراً أنه لم يمس شخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويعرف دوره التاريخي في حكم مصر، مؤكدًا أنه يحترم دور الرئيس وشخصه، لكن هذا لا يمنع من التعامل النقدي للسياسة المصرية في عهده. يقول ذلك بعدما حقق الضجة التي أثارها كما اعتاد في فترة توليه مناصب دبلوماسية.

أغلب الظن أن الناصريين وجدوا في ادعاء "الأكل من سويسرا" اتهاماً جديداً يستطيعون به أن يعيدوا ملحمتهم، لكن الحديث عن هزيمة 1967، ومصادرة حرية الرأي ليست جديدة على آذانهم، بل هي الاتهامات الثابتة والجاهزة دائماً في حق عبد الناصر، لذلك ضخموا كثيراً مسألة الطعام من سويسرا، حتى أن صحفاً مصرية بدأت بإجراء تحقيقات لتسأل "ما هو طعام عبد الناصر" معتمدين على كتب محمد حسنين هيكل ومذكرات من رافقوا ناصر، ليتأكدوا أن طعامه المفضل هو "الجبن الأبيض".