في كهوف عرسال.. مراسلون من العصر الحجري

نذير رضا
الجمعة   2017/08/04
لا يمكن الاعتقاد بأن مراسلاً تلفزيونياً، يمتلك عقلاً سياسياً، يمكن أن يُدهش بما يراه في كهف كان يقيم فيه عناصر تنظيم "النصرة" في جرود عرسال. فالعقل السياسي، يفترض أن يدله الى أن زمن الالغاء في الحروب، انتهى بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سبيل لأي حل للأزمات، الا بسلوك براغماتي، يشرع تسويات. وعليه، فإن الصدمة التي أبداها ثلاثة مراسلين دخلوا الكهف، مفتعلة بالتأكيد. وإن لم تكن كذلك، فإن هؤلاء يعيشون في مدينة أفلاطون!

فتح الهواء لأكثر من ثلاث دقائق، لكل مراسل دخل الى احدى كهوف "النصرة" الصخرية في وادي حميد. نبش المراسلون، المحتويات، وبحثوا فيها: هنا جعبة مقاتل، وصابونة.. وهنا مسحوق للجلي، وفوط صحية، وكهرباء ومطبخ وصوبيا... وهنا قلم ماسكارا، وحمام في الخارج وبابه عبارة عن ملاءة... 
تفاصيل مملة، تحدت عنها مراسلون لم يسألوا كيف حضرت هذه المحتويات الى هنا. فالاعتقاد بأن هؤلاء الارهابيين المقيمين منذ ثلاث سنوات، يعيشون في العصر الحجري، ينطوي على سذاجة حرمت المراسلين من طرح أسئلة كثيرة، وبالطبع ستبقى بلا اجابة، حول كيفية حفر الكهوف، وتمديد شبكة المياه والكهرباء، والحصول على المازوت للطبخ والتدفئة.

ورغم أن الاسئلة لم تُطرح في تقارير الزائرين الى الكهوف، والاستعاضة عنها بالعرض الذي لا يرتقي الى مستوى تقديمه على أنه كنز، تفتقر التقارير الى السؤال عن التسويات التي سمحت في وقت سابق بوصول مقومات العيش، من مياه ومحروقات ومواد اغاثية، علماً أن التسوية نفسها، التي وفرت لهؤلاء مقومات الإقامة، هي نفسها التي أفضت الى ترحيلهم. ذلك ان الحروب، لم تعد تنتهي الا بتسويات وصفقات، وهو سلوك سياسي مبرر وقائم، ومعتمد في كافة دول العالم، ولو أن المراسلين قرروا الإشاحة بأنظارهم عنه. 

في الواقع، لا ينم هذا التجهيل عن قصر نظر سياسي فحسب، بل يعتبر محاكاة اعلامية لأمر واقع عُمّم خلال المعركة وما بعدها. وعوضاً عن الاندهاش بحَفر حمام في الصخر موصول على شبكة صرف صحي، كان الأجدى بالمراسلين السؤال عن الغنائم التي تركها إرهابيون رحلوا بأسلحتهم الفردية. لماذا لم تُعرض الاسلحة الثقيلة التي تركوها على الشاشات، رغم أن مقاتلي "النصرة"، بالتأكيد، كانوا يستخدمونها في المعركة. هل سلّمت كلها إلى "حزب الله"؟ أم أن "النصرة" باعتها لتنظيم "داعش" في الجرود؟

تلك الأسئلة، مجرد فرضيات تُطرح على دهشة مفتعلة تنم عن سذاجة، أو عن أجندة اعلامية ملأى بالقشور، رغم أن التعرف الى ملاذات الإرهابيين الآمنة، ضرورة مهنية، ليس بغرض الدهشة، بل بغرض فتح الشهية على أسئلة ذات جدوى، ومحاكمة الضالعين في صفقات أخّرت القضاء على التنظيم، وساهمت في بقائه على قيد مناورة مكّنته في وقت سابق من اصطياد لبنانيين ومدنيين سوريين وقعوا ضحية إرهابه.