"أبناء الشمس".. شرّدهم النظام ويتسوّل باسمهم

وليد بركسية
الخميس   2017/08/03
أطفال سوريون ينامون قرب فندق "فور سيزنز" وسط دمشق (فايسبوك)
أطفال نائمون على الأرصفة وعلى بعضهم آثار ضرب وتعذيب واضحة فوق ثيابهم الممزقة التي تنحسر عن أجسامهم المرهقة في جوف الليل وعبارات عن جيل ضائع في سوريا. قد تكون تلك مقدمة مثالية لفيلم وثائقي متقن عن نتائج الحرب السورية على المجتمعات المحلية، لكنها في الواقع آخر ما يقدمه النظام السوري من ضخ دعائي موجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموالية، لإعادة صياغة النقاش الإنساني الدولي حول سوريا، وحرفه بعيداً عن مساره العادل.


الصور التي تبثها بكثافة صفحات موالية وأفراد موالون للنظام على حد سواء، ليست اعتباطية ولا تدل بطبيعة الحال على نبل مفاجئ أصاب النظام الفاقد لأي إحساس إنساني أصلاً، فرغم كون قضية الأطفال المشردين في الداخل السوري، مهمة وشديدة الحرج، إلا أنه يجري استغلالها فجأة مع اقتراب الحرب السورية من نهايتها حسب المؤشرات المختلفة، لسبيين متداخلين، الأول هو تقديم هذا النوع من القضايا في مناطق سيطرة النظام على أنه الأثر الإنساني الوحيد للحرب السورية، وبالتالي تشويه حقيقة جرائم الحرب التي اقترفها النظام بحق المدنيين في مناطق المعارضة الذين تم تجاهلهم في سياق الدعاية الأسدية، للوصول إلى مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات المعنية لتقديم المساعدات الإنسانية إلى المدن والقرى التي باتت تحت سيطرة النظام حصراً، وهو السبب الثاني.

بالتالي تشكل صور الأطفال المشردين مؤشراً لمرحلة سياسية قادمة، فهي دعوة مباشرة للمنظمات الدولية، والمنظمات السورية، كي تعاود عملها في الداخل السوري، وهو ما بدا واضحاً في فعالية "أبناء الشمس" التي أقامها النظام في حدائق دمشق حول الأطفال المتسولين والمتشردين، مطلع الشهر الجاري، من أجل"لفت نظر المجتمع لوجود فئات من الأطفال يتم استغلالهم وسرقة طفولتهم وتعريضهم لمخاطر الشارع"، والتي تضمنت نشاطات "ترفيهية" من دون أي مساعدة فعلية للأطفال المشاركين الذين أعيدوا إلى الشارع.

بموازاة ذلك ينتشر جو من المخاوف في وسط الناشطين والمتطوعين السوريين ضمن المنظمات المدنية لمساعدة اللاجئين في لبنان وتركيا والأردن، مع توقعات بإغلاق المنظمات وتوجهها للنشاط في الداخل السوري. وفي هذا الشأن يقول أحمد زغلول، وهو متطوع سوري بارز في العمل المدني في بيروت، في حديث مع "المدن": "أتوقع أن هناك عدداً كبيراً من المنظمات المهتمة بمساعدة السوريين والمنظمات السورية ستتوجه للداخل السوري خلال الفترة القادمة، لكنني لا أعتقد أن الأمر لن يحدث من دون عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا".

ويضيف زغلول أن "الموضوع المرتبط بنواح سياسية، وتحديداً ما يحدث في مفاوضات جنيف والأستانة، والتي تتجه فيها الأمور لصالح النظام بشكل واضح، بموازاة حالة من الضغط العام على على اللاجئين في لبنان وتركيا لعودتهم إلى سوريا، مع ضغط متوقع على اللاجئين في الأردن بانتظار حصول حل سياسي نهائي في الجنوب السوري الذي لم تتفق فيه إسرائيل مع روسيا والولايات المتحدة بعد".

في سياق متصل، تنشط الدبلوماسية الروسية لشن حملة علاقات عامة وحملة سياسية رصدتها مجلة "فورين بوليسي" قبل أيام، للضغط على الأمم المتحدة وجماعات حقوقية وإنسانية للمساعدة في نزع الأسلحة المتفجرة والقذائف والألغام من مدن خاضعة لسيطرة النظام مثل مدينة تدمر في ريف محافظة حمص، رغم أن التحدي الأكثر إلحاحاً على الصعيد الإنساني الآن هو تأمين الوصول إلى مئات آلاف المدنيين السوريين الذين عانوا من صعوبات بالغة في المدن والبلدات المحاصرة من قبل قوات النظام وحلفائه ومن قبل تنظيم "داعش" أو من قبل قوات المعارضة السورية أيضاً في السنوات الأخيرة، والذين مازالوا بحاجة ماسة للمساعدات، حتى لو تم فك الحصار عنهم في فترة من الفترات.

المثير للسخرية أن المشكلة لا تكمن في قضية مثل إزالة الألغام أو مساعدة الأطفال المتشردين في دمشق، بل في تقديم تلك المشاكل على أنها المشاكل الوحيدة الأكثر إلحاحاً، علماً أن العقبة الأساسية أمام نشاط المنظمات الحقوقية والإنسانية والمدنية في سوريا هو النظام السوري نفسه، الذي فرض شروطاً كثيرة من أجل منع عمل تلك المنظمات في إنقاذ المدنيين في مناطق المعارضة تحديداً خلال حربه ضد الشعب السوري من أجل التمسك بالسلطة.

والحال أن حملات النظام لا تبتعد عن الجهود الروسية، بالنظر إلى حقيقة أن موسكو تقوم بهندسة المسار السياسي للحل القادم في سوريا، وبالتالي تحتاج روسيا للضغط على السلطات السورية للسماح بمساعدة الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات، وتوفير متنفس للمعارضين في سوريا المستقبلية، حيث يتضمن الحل الروسي بلا شك إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين الذين يجب إعادتهم لبلادهم، وهي نقطة بحاجة لدعم إنساني بلا شك.

ويؤكد زغلول النقطة السابقة أيضاً، ويقول: "أعتقد أنه مع مرور الوقت سوف تتجه المنظمات للعمل في الداخل السوري، وتحديداً المنظمات السورية، وهو نوع من الحرية التي سيمنحها النظام للمجتمع المدني المحلي، وبرأيي تريد روسيا إعطاء هذا الشكل الجديد لسوريا في المستقبل مهما كانت طبيعة الحكم الجديد مع التسليم ببقا النظام، وبالتالي سيتم فتح مساحة للناشطين والشباب المعارضين للتحرك ضمن إطار المجتمع المدني فقط، وبالتالي قد تكون هناك تسويات لأوضاع الناشطين الذين يعانون من مشاكل أمنية".

ويضيف زغلول: "إن رفض العديد من الدول لطلبات الفيزا واللجوء التي تقدم بها من تبقى من ناشطي المجتمع المدني السوريين الذين بقيوا في الدول المجاورة لسوريا في الفترة الأخيرة، قد يكون واحدة من اوراق الضغط على الناشطين للعمل في الداخل السوري لاحقاً وعلى عموم اللاجئين أيضاً الذين تتضمن الرؤية السياسية المستقبلية إعادتهم للداخل السوري".

وهكذا، تصبح الجهود الدعائية والدبلوماسية الروسية الأسدية المشتركة، جزءاً من مقامرة دبلوماسية أوسع لإعادة صياغة النقاش الإنساني الدولي حول سوريا، ونقله بعيداً عن التركيز على رفع دعاوى قضائية بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد بتجويع مئات الآلاف من المدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وقتله الآلاف وتسببه بأزمة لجوء هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.