مصر تحجب 70 موقعاً: تصفية الخصوم لإثبات القدرة

أحمد ندا
الخميس   2017/07/13
الحجب إذن هي خطوة في فكر الدولة "تأخرت كثيرا" (دايلي نيوز)
كل ما يخصّ المواقع المحجوبة في مصر غامض. لا بيانات رسمية تتخطى الأخبار المسربة في الصحافة القريبة من الدولة، ولا تصريح معلن من أي من المسؤولين عن الصحافة والنشر في مصر، باستثنائ ترحيب مقتضب من نقيب الصحافيين الأمني عبد المحسن سلامة.
بدأت حمّى الحجب في 24 مايو/ايار الماضي، بعد مقاطعة قطر من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فكان أن حجبت الدول الأربعة مواقع قطرية. غير أن الحكومة المصرية وجدت أن الاتفاق مدخل جيد للنبش وراء المواقع التي تحمل أقل قدر من الاستقلالية السياسية وحجبتها. فبدأت القائمة بـ21 موقعاً، أثاروا الجدل في المرة الاولى. ثم واصلت الحكومة حجب المواقع، كل موقع ينشر ولو قدراً ضئيلاً من السياسة، لتصل بعد شهر إلى 70 موقعاً. 

تالياً، تحول الحجب إلى لعبة عبثية لا يُعرف تحديداً سببها الحقيقي، بل إن الحجب طاول مواقع ليست مرخصة أو حاصلة على أوراق رسمية وقانونية، لكنها بعيدة كل البعد عن السياسة أو القرب منها. مواقع غير معنية بأي شيء إلا الترفيه وصل عددها بحسب التقرير الصادر منذ أيام، من مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى 123 موقعاً. واثارت الخطوة دهشة عدد من المواقع من قبل أصحابها ومتابعيها.

موقع "السين": 10 ثوان كلّفته الحجب
لم يندهش متابعو التضييق من حجب موقع مثلما اندهشوا من حجب موقع السين alscene. فالموقع غير معني لا بالسياسة ولا حتى بالسخرية السياسة. هو موقع "خفيف" متخصص في مسائل اجتماعية ويومية. لكن الخطيئة كانت في 10 ثوان داخل فيديو كل الغرض منه كان "تقييم كعك العيد". وبما أن الجيش المصري هو أحد أهم منتجي حلويات العيد، فكان له نصيب من التقييم.
لم يفصل بين الفيديو وحجب الموقع أكثر من ساعات معدودة، تخلله أخذ ورد بين القائمين على الموقع والمتابعين، ما جعلهم يحذفون الفيديو، وإصدار بيان في صفحتهم في فايسبوك قالوا فيه ان "هدفنا الأول والأخير هو إننا نعمل حاجة تبسطنا وتبسط الناس". 

"كورابيا".. الكرة أيضاً مثار ضيق
قد تبدو كرة القدم بعيدة من طائلة الحجب، لكن "بي ان سبورت" الذراع الرياضي لشبكة "الجزيرة" كانت بطلا في "لقطة" نشرتها الصحف الموالية للحكومة المصرية، حيث يكسر مواطن جهاز استقبال "بي ان سبورت" لأنه ليس أقل وطنية. غير أن هذا التهافت مفهوم في سياق العصاب المصري. 

المفاجأة كانت مع حجب موقع "كورابيا" الكروي، وحاول المتابعون النبش وراء الموقع، ماذا فعل؟ هل كان له موقف ما من السياسة الرياضية المصرية أكثر حدة من بقية المواقع الرياضية؟ هل عُرض به شيء ما ساخر مثل موقع "السين"؟

كانت الإجابة في الحالتين هي النفي. بل إن الإعلامي إبراهيم فايق الذي يقدم يرنامجاً رياضياً على قناة DMC، وجه رسالة إلى المسؤولين "ومش عارف مين المسؤول عن الموضوع ده" على حد تعبيره.

القائمون على الموقع، وجهوا رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي ليسألوه عن أسباب حجب الموقع، وقد انتفت كل الأسباب التي حجبت غيره، بل إنه أيضاً "مملوك بالكامل لشركة آرابيا إنفورم - ومقرها في دولة الإمارات المتحدة.. ولا صلة سياسية له بأي جهة أو شخص ويتم تمويل الموقع ذاتياً منذ العام 2007، ويعمل في الموقع تقريباً 80 شخصاً من الشباب".

التوصل إلى معلومة بشأن حجب هذه الموقع بدا مستحيلا مع التعتيم الكامل على كل ما يخص الحجب وعدم معرفة الجهاز المسؤول في الدولة. يمكن استنتاج سبب حجب كل موقع، مع اتجاهاته أو على الأقل الانتماء السياسي للقائمين عليه، مثلما هو الحال مع موقع "مصريات" المعني بقضايا المرأة ورئيسة تحريره نفيسة الصباغ زوجة الصحافي خالد البلشي رئيس تحرير موقع "البداية". 

كيف يفكر الأمن المصري؟
على الرغم من أن الجهة الأمنية المسؤولة عن الحجب غير معلومة، وما زال التحرك مبهماً، إلا أن أغلب المتابعين يخمنون أن تكون المخابرات الحربية هي المعنية والمسؤولة عن هذه الخطوة. 
وبتجاوز طبيعة المؤسسة المسؤولة، يتبين ان الفكرة في المنع خصوصاً في المواقع البعيدة عن السياسة، يشير الى إظهار القوة حتى الحدود القصوى، فليس مهماً أن يكون هنالك سبب إلا القدرة على الفعل دونما إبداء أسباب. فهذه الخطوة هذه المرة في الفضاء الإلكتروني الذي يمثل صداعاً مزمناً في رأس الحكومة المصرية، إذ لم يتوقف التكريس لخطاب حروب الجيل الرابع وخطورة مواقع التواصل منذ 4 سنوات، حيث ترددت العديد من الأخبار عن محاولات لفلترة الإنترنت في مصر مثلما هو في السعودية والإمارات، لكن كلفته المادية أكبر من أن تتحملها دولة مثقلة بالديون مثل مصر. 

الحجب إذن هي خطوة في فكر الدولة "تأخرت كثيرا"، لذلك كان تحركها في الحجب العشوائي بعد تصفية من تعتبرهم "خصومها" فقط للتدليل على قدرتها.