"أوركيديا" هو "لعبة العروش".. بعد استئصال الجنس والدين والسياسة

أحمد ندا
الجمعة   2017/06/16
حشد النجوم لا ينفي أن العمل هو نسحة رخيصة عن المسلسل الأشهر في العالم
إذا سئل أي متابع للدراما عربياً وعالمياً عن العمل الأكبر والأنجح في تاريخها بلا منازع، ستكون الإجابة فوراً وقطعاً مسلسل "لعبة العروش" الذي تنتجه شبكة "HBO" الأميركية، والذي ينتظر العالم بأسره موسمه السابع الجديد بعد تأخر موعده، مثل انتظار الأحداث الكبرى. لكن المنطقة العربية، على ما يبدو، استغلت ذلك التأخير لتقدم نسختها الخاصة، الرديئة، من العمل، تحت مسمى "أوركيديا".


المسلسل السوري "ضخم الإنتاج" حظي بضجيج كبير منذ ما قبل عرضه، وبدأت ضجته الإعلامية قبل نزول الفيديو الدعائي له، مع نفي القائمين عليه أي تشابه بين العمل الجديد مع "لعبة العروش"، وبهذه الطريقة الترويجية ضمن العمل لنفسه عيوناً فضولية لالتقاط المتشابه بين العملين.

ومنذ أن حظي "لعبة العروش" بسلطته الشعبية الجارفة الكاسحة، تصورت المخيلة العربية، على سبيل الطرافة، سيناريوهات مختلفة حول تقديم نسخة عربية من المسلسل، لتعقد المقارنات المفترضة بين المسلسل الأصلي والنسخة المصرية تارة، والنسخة السورية تارة أخرى. كل ذلك كان في معظمه نقداً غير مباشر للفارق المهول بين المساحة الضيقة التي تتحرك فيها الدراما عربياً، ومساحة الحرية والخيال الكبيرة في الولايات المتحدة مثلاً.


لكن أحداً لم يكن ليتخيل أن تتحول ألعاب مواقع التواصل الاجتماعي تلك، إلى واقع تتورط فيه شركة إنتاج وكاتب سيناريو وممثلون كبار ومخرج مرموق! فكيف يتحول هذا الهزل إلى عمل تُفترض فيه الجدية؟ ولكي يكون السؤال محدداً أكثر: كيف يمكن أن يُقدم مسلسل "لعبة العروش" عربياً بعد نزع كل عناصر الجدل منه، وتحديداً العلاقات الجنسية التي يمتلئ بها المسلسل الأميركي والتشابكات السياسية المعقدة بين سبع ممالك متصارعة، والديانات المخترعة بشكل خاص لتلائم الفانتازيا التاريخية؟ فضلاً عن القدرة الأميركية في التخلي عن أبطال أساسيين لصالح العمل مع تقدم الأحداث؟

النتيجة المؤسفة ستكون حتماً مسلسلاً مثل "أوركيديا". ولذلك، فإن المقارنات بين العمل العربي والنسخة الأصلية، بدأت منذ بث الصور والفيديوهات الدعائية الأولى للعمل الجديد مقابل حفاظ أصحاب العمل على نفيهم، وإلقاء بطاقة "اجتماع نجوم الدراما السورية الكبار معاً لأول مرة منذ أعوام" في وجوه جميع المنتقدين، وكأن تلك العبارة تشكل ذريعة كافية لينصرف المتابعون عن التقاط المتشابه إلى الحفاوة بنجومه فقط!


وباتت المقارنة أكثر وضوحاً وقسوة وتفصيلاً مع تتالي حلقات العمل، فالممالك السبعة في "لعبة العروش" صارت ثلاثاً فقط هي "أوركيديا" و"سمارا" و"آشوريا"، التي تبدو من الحلقات الأولى وكأنها قرى محدودة المساحة لا ممالك واسعة مترامية الأطراف. "سمارا" يحكمها ملك عادل لطيف ومحبوب وهو "أنمار" (جمال سليمان) ومملكة "آشوريا" يحكمها ملك محتل محب للحرب هو "الجنابي" (سامر المصري) الذي يحتل مملكة "أوركيديا" بعد قتل والد الأمير "عتبة بن الأكثم" (باسل خياط) الذي يحاول أن يستعيد ملك والده ومعه أخته "رملة" (إيمي صياح). والملك الجنابي يريد رأس الأمير عتبة وأخته وهما في حماية الملك أنمار.

ما سبق هو أحداث الحلقة الأولى فقط، ما أعطى "بشارة" للمتابعين بزخم ودراما لاهثة وهو ما لم يحدث رغم انقضاء 20 حلقة من العمل، بسبب الإيقاع البطيء جداً الذي تسير به كل الأحداث، لدرجة دفعت كاتب السيناريو عدنان العودة إلى التبرؤ من المسلسل في منشور له عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك"، قال فيها أن كل ما يعرضه المسلسل لا علاقة له بما كتبه، ما اضطر الشركة المنتجة إلى إصدار بيان رسمي بهذا الخصوص.



الغريب أيضاً أن العودة نفسه قال في تصرحات صحافية عديدة أنه لم يشاهد "لعبة العروش" وأنه من المستحيل بالتالي أن يكون هنالك أي تشابه بينه وبين "أوركيديا"، وذلك ادعاء يتعذر تصديقه. فإذا كانت الأزياء والمنتج البصري النهائي قريبي الشبه للغاية من صورة المسلسل الأميركي هي مسؤولية مخرجه حاتم علي، فكيف تتقاطع خطوط الدراما إلى هذه الدرجة اللصيقة؟ بغض النظر عن التعديلات العربية التي حولت الملحمة الأميركية إلى دراما اجتماعية أقرب إلى "Soap Opera" ناطقة باللغة العربية الفصحى، تجب الإشارة إلى النتيجة النهائية للخدع البصرية المستعملة في العمل والتي أتت باهتة ومبتذلة، ولا يمكن تصديق أنها حرفة مخرج محنك وقدير مثل حاتم علي، صاحب المنجزات الكبيرة في الدراما التاريخية والفانتازيا التاريخية سابقاً.

لا يمكن فهم الورطة التي وقع فيها أصحاب العمل، لكن معجبي "أوركيديا" يدافعون بالقول إن ثيمة الصراع على الملك هي من الثيمات الأساسية في الفانتازيا التاريخية، وإلا لكان جورج مارتن هو أيضاً سرق من عمل تولكين الأشهر "سيد الخواتم". وهذه الحجة سخيفة تماماً، ذلك أن "أوركيديا" ما هو إلا "لعبة العروش" وقد أعيد تفكيك قطعه ونزع المشاكل منه، وإعادة تركيبه بما يناسب ميزانيته العربية. ويمكن بسهولة التقاط كل خيط في "أوركيديا"، والعثور على شبيهه في "لعبة العروش" من دون مجهود يذكر.