أزياء هونغ كونغ: هوية الجنس الثلاثية الأبعاد

أحمد مغربي
الأحد   2017/05/28
أزياء تتخطى الهوية الجنسية

الأرجح أن هنالك شيئاً ما بصدد "أسبوع هونغ كونغ للأزياء" استثار اهتماماً إعلامياً ضخماً، وهو الجنس، أو بالأحرى ذائقة شبابية في عالم صناعة الأزياء تسعى إلى تحطيم هويات الجنس، إلى حد أنها لم تجد في السائد من قوالب الأردية ما يناسب تمردها.

وإذ عزمت تلك الذائقة على نسج خيالها عن أثواب التمرد على قيود التصنيفات الجنسية، لم يجد بعضها في كل السائد من القوالب ما يناسبه، فلجأ إلى تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد لصنع أثواب تتخطى الهويات الجنسية إلى حد تجميعها في تراكيب متفلتة لا يحدها سوى مزاج الأفراد ورؤاهم وخيالاتهم عن الهوية الجنسية الفردية. لا يتحدث ذلك عن تجربة مذهلة في التجاوب بين التقدم التقني والتمرد الشبابي، بل إنه يستعيد أجواء رافقت البدايات الابتكارية الساحرة عندما انبلج فجر ثورة المعلوماتية.


ابتكر هويتك الجنسية وانس قوالب التصنيفات

إذاً، الأرجح أن التمرد على الهويات الجنسية هو "الخضّة" الكبرى التي يعد بها معرض "أسبوع هونغ كونغ لأزياء الصيف"، وأيقظ ذلك الصحافة الورقية والمجلات والمواقع الإخبارية والـ "سوشال ميديا"، وبالتحديد  "يوتيوب"، وشاشات التلفزيون، حين ستظهر أزياؤه المتحدية على أقنية مثل "فاشن تي في إنترناشيونال".

في تزامن ملفت، تقاطعت صحيفة "لوموند" ومجلة "تايم" على إبراز خصوصية الترسيمة الجنسية التي يتوقع أن تهيمن على أزياء "أسبوع هونغ كونغ" 2017. إذ تحدثتا في وقت متقارب، وبنفسٍ متشابه أيضاً، عن اتجاه شبابي في الموضة المعاصرة يرفض التصنيفات الشائعة للجندر في الأزياء. وكذلك أغرقت كلاهما صفحاتهما الورقية والإلكترونية بسيل من الصور التي توضح ذلك المفهوم.

ولونت مجلة "تايم" صفحاتها بصور لوجوه وتسريحات شعر وأزياء، يصح القول بانتمائها إلى أي من الجنسين أو كليهما معاً!، وتجب الإشارة إلى أن الصور تعطي انطباعاً بأن بعضها يحمل آثاراً واضحة لاستخدام الـ "فوتوشوب" فيها. ومثلاً، صورة الغلاف كانت لوجه أحد نصفيه ذكوري الملامح والآخر أنثوي، ما يشي بأن الـ"فوتوشوب" كان له يد في صناعة ذلك، وهو أمر ليس سلبياً بل إنه قدم دعماً بصرياً ليس فقط لفكرة التجاوز المتساوي للهويتين الجنسيتين، بل لاندماجهما سوية.

لفتت مجلة "تايم" إلى وجود جيل غربي، أميركي خصوصاً، يرغب في تجاوز جديد لمعنى الهويات الجنسية. وعبر أجيال سابقة وحاضرة، حضرت مسألة المساواة، ثم ناضلت هويات لتكسب اعترافاً بها جزءاً مكرساً من الثقافة والممارسة الاجتماعية العامة، بغض النظر عن الموقف منها في الثقافة والاجتماع والدين وغيرها، وخصوصاً المثلية الجنسية عند الجنسين. ورأت "تايم" أن الشباب الأميركي المعاصر، في شقه المنفتح والمعولم، بات ميالاً للحديث عن "الشمولية الجنسية" (بان سيكشوالتي Pan Sexuality)، أكثر من توزيع الهوية الجنسية على فئات متعددة. ويعني ذلك أن الهوية الجنسية للفرد سيضاف إليها بعد يجمعها مع الهويات الاخرى، بدل أن تكون حدوداً فاصلة وجداراً عازلاً بينها.

هل يظهر ذلك فعلياً في "أسبوع هونغ كونغ - 2017 لأزياء الصيف"؟ ربما علينا انتظار شاشات كـ "فاشن تي في انترناشيونال" لحسم الأمر.

وفي نفسٍ مماثل، مالت "لوموند" إلى تقديم نماذج من الإعلانات التي تسبق المعرض، لتبرز أن أزياء صيف 2017 تجمع بين الجنسين، بمعنى تكرارها على الأجساد الشابة ذكوراً وإناثاً، مع الإشارة إلى أن ذلك ليس سوى غيض من فيض التمرد المقبل في أزياء الصيف التي يعرضها "أسبوع هونغ كونغ" المرتقب. 

ثورة الجنس ثم كلوديا شيفرز ومادونا وأخيراً مايلي سايروس!

لا يصعب تقديم نماذج عن تلك الذائقة الشبابية الفوارة التي تعتبر استمراراً للصراع الطويل في التحرر الجنسي وهو الذي خيض بنبرة عالية من الصراحة منذ ستينيات القرن العشرين. وآنذاك، كان الأمر يتعلق بالمساواة الجنسية بين الرجل والمرأة وتحطيم الهيمنة الذكورية في مساحات الجنس كافة، بما فيها الحق الكامل للمرأة في امتلاك جسدها وشهواته وحقه في الحمل والإجهاض وغيرها.

بعدها، سارت الهوية النسوية في صعود لم يخل من التعرج، كالتيار الفرعي للنسوية المتبنية لقيم العائلة وأولوية الذكر ورفض الاجهاض، ليرتفق الجسد النسوي صعوداً في الخيال العام في تسعينيات القرن. وآنذاك، اقتحم الفضاء العام ظاهرة "أجساد عارضات الأزياء"، خصوصاً مع كلوديا شيفرز وناعومي كامبل وسيندي كرافورد، ليعبر عن هوية نسوية تضع المساواة خلف ظهرها لتنادي بتألق هوية المرأة بحد ذاتها من دون مقارنتها بالذكر، ويعني ذلك رفض أن يكون مقياساً، مع الانفتاح على الهويات الجنسية المتعددة الاخرى، خصوصاً الهويات المتنوعة للمثلية الجنسية.

ولاقت موسيقى الـ "بوب" تلك الظاهرة عبر ظاهرة مادونا التي قدمت مثالاً مكثفاً عن ذلك الصعود، خصوصاً مع مطلع القرن الحادي والعشرين. في تلك الآونة، تحرك الجسد الذكوري أيضاً، لينقل المثلية الذكورية من الهوامش إلى قلب الثقافة العامة ونقاشاتها. وصنع الأمر نسيجاً متيناً بين الخارجين على الهوية الإنشطارية للجنس (ذكر مقابل أنثى)، ما جعل نبرة التمرد  أشد تمرساً وعلواً. وبعدها، جاء جيل الألفية الثالثة ليحدث تدريجاً حالةً من الخروج عن الهوية الجنسية بحد ذاتها، عبر تبني ما يراه كل فرد بأنه يعبر عن هويته جنسياً، باستعمال أي تركيب يرى أنه ينطق بلسان هوية جسده فعلياً.

فمثلاً، أشارت المغنية الأميركية مايلي سايرس في مقابلة مع مجلة "فاريتي" أواخر العام 2016، إلى أنها عانت طويلاً من عدم قدرتها على التعرف إلى هويتها الجنسية. بعد رفض تصنيفها كفتاة أو ذكر أو حتى مزدوجة الجنس، وشددت على أنها ترى نفسها "شاملة جنسياً" (بان سكشوال Pan Sexual).

في الآونة عينها، أنزلت المغنية الفرنسية هيلواز ليتسييه (28 سنة، نانت) ألبوم "دفء إنساني" الذي جعلها نجمة في أوروبا، فغنت جنباً إلى جنب مع أيقونات كمادونا وآلتون جون. وأنجزت جولة في الولايات المتحدة بصحبة فريق من راقصين ذكور. وآنذاك، صرحت ليستييه لمجلة "تايم" أنها أحست طول حياتها بأن هويتها الجنسية "ملتبسة. لست متأكدة أنني ذكر أو أنثى كلياً. أرتدي ملابس الجنسين لكني لا أحس بالراحة فيهما، بل أشعر أنهما أقرب إلى الإدعاء أو المحاكاة الساخرة. أحس أن كوني أنثى هو عائق. أرغب أن أكون محايدة جنسياً. تلك طريقتي في التمرد على النظام". ولعل تلك الكلمات هي الأقرب إلى التعبير عن الذائقة الشبابية المتمردة على قوالب الهويات الجنسية في معرض "أسبوع هونغ كونغ" المقبل.

صوت الـ"سوشال ميديا"

في السياق عينه، استجابت الـ "سوشال ميديا" مبكراً لهذه الذائقة المتمردة على التصنيف الجنسي. ومنذ العام 2014، انحنى "فايسبوك" بوجه ذلك العصف الشبابي، وأصدر بروتوكولاً عن تعريف الهوية الجنسية للأفراد تتضمن 50 نوعاً، ما يعتبر تحطيماً للتصنيف الجندري التقليدي ذكر- أنثى. وتشمل هويات الجنس في "فايسبوك"، الجندر الشامل والمتحول، والـ "بين - بين"، والعابر للجنس، و"بلا هوية جنسية"، والـ"آندروجين" (تسمية شائعة شعبياً في الإشارة إلى من يغاير النظرة الأولى عن هويته الجنسية)، والمزدوج الهوية بمعنى أن يمزج هويين من الخمسين نوعاً الآنفي الذكر، والسيال في الهوية الجنسية بمعنى أنه يحس بانتمائه إلى هذه الهوية أو تلك في وقت ما، ثم ينتقل إلى غيرها في وقت آخر، والمتبدل الذي يحس بأنه يستعصي على تصنيفات الهوية الجنسية كلها وما إلى ذلك.

والأرجح أن معرض "أسبوع هونغ كونغ" هو دوماً مساحة لتمردات الأجساد الشابة وأزيائها المستعصية على التصنيف. أما في "يوتيوب"، فيبدو المعرض بوصفه استعراضاً بصرياً شبابياً.

وفي نموذج عن ذلك، تقف مدونة إلكترونية إسمها كريشا، بملامح آسيوية وجسد رشيق رداؤه من وحي المعرض، لتقدم تدوينتها الإلكترونية المصورة. وتوضح أن ما يثيرها في المعرض الذي ينتظم بين 10 و13 تموز/يوليو المقبل، هو الانخراط في التكنولوجيا الرقمية، خصوصاً الطباعة الثلاثية أبعاد )ثري دي برينتنغ 3D Printing) التي صارت أسلوباً شائعاً في تحويل أخيلة الموضة إلى أردية فعلية، منذ ثلاث سنوات على الأقل. وتشير إلى أن استعمال الطباعة الثلاثية جعل آفاق الملابس جامحة ومتفلتة تماماً.