إسرائيل تخاطب العالم: المقدسات في ذيل فستاننا

علي سعد
الأحد   2017/05/21
البعد الثقافي للقدس هو أكثر ما يعيق تهويدها

الرد الخجول من وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية محمود خليفة والقيادي في حركة "حماس" عزت الرشق، على فستان وزيرة الثقافة الاسرائيلية ماري ريغيف خلال افتتاح مهرجان "كان" السينمائي، لا يمكن بأي من الأحوال أن يكون بديلاً عن الصمت الرسمي الفلسطيني أمام اجتياح ثقافي بهذا المستوى وعلى منبر ثقافي مرموق جداً.

بل هو إدانة للمؤسسة الرسمية الفلسطينية التي كانت حتى هذه اللحظة سائرة في طريق عجزها عن أي شكل من أشكال المواجهة مع الاحتلال، وغير قادرة حتى على حفظ ماء وجهها. باستثناء ما تحفظه لها تلك الحجارة التي ترمى من أجل الكرامة ويسقط من أجلها الشهداء.

والحال أن لا شي في ارتداء الوزيرة فستاناً يحمل صورة القدس والمسجد الأقصى خلال مهرجان كان السينمائي، يدعو للسخرية أو الاستهزاء اللذين لا يعبران إلا عن قصر نظر في قراءة الرسائل العلنية والضمنية التي وجهتها الوزيرة الاسرائيلية من خلال فعلتها تلك. فالرداء الذي أشعل السوشيال ميديا قبل أيام لا يحتمل الكثير من التراخي أو اللهث وراء "الكليشيهات" في مقاربة مثل هذه التصرفات الاسرائيلية الواضحة العناوين والتوجهات، والتي تشكل جزءاً لا يتجزأ من البروباغندا الاسرائيلية التي تسعى الى ترسيخ صورة "أورشليم" العاصمة الأبدية ليهود العالم.

بتصويرها المسجد الأقصى وحائط المبكى جنباً الى جنب على طرف فستانها، تعيد الوزيرة الإسرائيلية صياغة الأفكار الأولى التي روجت لها الصهيونية في بداية هجرتها الى فلسطين حول الفراغ الديموغرافي في هذه الأرض، والذي يسمح بجمع شتات اليهود فيها، لتقول اليوم أن القدس عاصمة لليهود، لكنها يمكن أن تحتضن الى جانبهم بعض العرب وتكون راعية للمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.

هذه كانت الرسالة الأولى، لكنها ليست الوحيدة، فالمكان والتوقيت يحملان أيضا رسائل في اتجاهات متعددة، ذلك أن الحادثة تأتي في وقت يجري فيه الحديث عن تغير في مزاج الرئيس الأميركي الذي أعلن سابقاً أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، وهو أمر تقف أمامه عقبات داخلية أميركية كثيرة مرتبطة بمصالح واشنطن الاستراتيجية مع دول عربية لا تستطيع تحمل تبعات مثل هذه الخطوة.

 قررت إسرائيل أن توجه رسالتها من أحد أهم المنابر الثقافية الفرنسية، لتؤكد على البعد الثقافي في الصراع حول القدس، والذي تخوضه اسرائيل في هذه الفترة بالذات في وجه منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونيسكو" والتي جددت في بداية أيار/ مايو الجاري اعتبار اسرائيل محتلة للقدس.

في الوقت عينه، تخاطب الوزيرة الاسرائيلية، الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، لتقول له أن بلادها في مرحلة الهجوم لإزاحة كل العقبات المتبقية أمام إعلان اسرائيل دولة يهودية عاصمتها الأبدية القدس.

النقطة السابقة كشف عنها الجزء السفلي من فستان الوزيرة الذي احتل اللون الأبيض القسم الأكبر منه، فيما طرز أسفله بصورة القدس والمسجد الأقصى. واللون الأبيض في هذه الحالة يشير الى أن القسم الأكبر من إعلان يهودية اسرائيل قد جرى إنجازه، فيما لا يزال هناك قسم صغير لإتمام العملية، وهو الاستحواذ على القدس لتكون قاعدة الهرم لتكتمل يهودية الدولة.

ومن نافل القول أن الكاميرات والمواقع العالمية التي نشرت صورة الفستان لم تقم هي نفسها بنقل الرد الفلسطيني الخجول، لكنها نقلت وتفاعلت مع تلك الحملات العشوائية التي أطلقها مغردون فلسطينيون وعرب قاموا بتزيين الفستان بما يليق مع الوزيرة ودولتها. وهي حملات اتسم بعضها بالحدة وبعضها الآخر بالسخرية علما أن لا شيء يدعو للسخرية في ما قامت به الوزيرة الاسرائيلية.

المغردون الفلسطينيون والعرب حملوا بغضب على الوزيرة الاسرائيلية واستهدفوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فكتب مصطفى عياش: "وزيرة الثقافة الصهيونية الاسرائيلية.. البسكم الله العار والمذلة يا سارقى الاوطان"، فيما كتب مغرد اخر: "فستان وزيرة الثقافة الإسرائيلية كان من الفساتين المثيرة للجدل بصورة القدس أسفل الفستان، (عندما يتباهى السارق بما سرق)".

فيما أعاد مغردون آخرون رسم الفستان بشعارات مختلفة فوضع بعضهم عليه صورة دماء في إشارة الى الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم اسرائيل في إطار مشروعها العنصري، فيما رسم مغردون صورة جدار الفصل العنصري أو صورة حرب غزة، معتبرين أن هذه هي الصورة الحقيقية التي تمثل إسرائيل.

المعركة هذه لن تكون الأخيرة لكون البعد الثقافي للقدس هو أكثر ما يعيق تهويدها، فيما رسالة الوزيرة الاسرائيلية، وإن جرى اعتراضها عربياً، لكنها وصلت الى أماكن مختلفة لم يجر اعتراضها فيها، وهي النتيجة الحتمية للصراع بين آلة دعائية منهجية في مواجهة آلة تعمل على رد الفعل، وتنام باقي أيام السنة.