بأوامر من مُحافظ حماة: الطلاب الغشاشون.. يُعتقلون!

وليد بركسية
السبت   2017/05/20
محافظ حماة خلال جولته التي اعتقل فيها الطلاب بوحشية (إنترنت)
لولا الكلمات التوضيحية المرافقة لمقطع الفيديو المنتشر عبر مواقع التواصل والذي يظهر اعتقال الأمن السوري لمجموعة من طلاب الصف التاسع، بتهمة الغش في الامتحانات، لاعتقد المشاهد أنه أمام مقطع ترويجي رديء من صناعة الماكينة الدعائية للنظام السوري، وهو يطهر البلاد من "الإرهابيين" ويكافح "المجرمين" ويلقي القبض على "المندسين"، لأن كمّ العنف البائن في المقطع لا يتناسب مع حجم "الخطيئة" التافهة.

ويظهر في الفيديو اعتقال محافظ حماة، محمد الحزوري، لمجموعة من الطلاب لا تتجاوز أعمارهم 15 عاماً بتهمة الغش، بعد جولة تفقدية أثارت بدورها جدلاً قبل انتشار الفيديو الجديد من قبل صفحات موالية للنظام، والتي استنكرت كمّ العنف ضد الطلاب واقتيادهم وضربهم من قبل عناصر مسلحة مدججة بالسلاح، واقتيادهم بشكل وحشي إلى ما يبدو أنه نوع من السجون أو المعتقلات في أقبية تحت الأرض، في مشاهد تعيد للذاكرة ومضات من تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين السلميين العام 2011.



من المذهل حقاً كيف لمقطع فيديو واحد، لا يحتوى نقطة دم واحدة أو لقطة للتعذيب في أقبية فروع المخابرات أو برميلاً يحول طفلاً مذعوراً إلى أشلاء، أن يحدث مثل هذا الأثر العميق. وذلك ليس لأن العنف المجاني يمس قاصرين لا تتجاوز اعمارهم خمسة عشر عاماً فقط، بل لأنه يظهر معنى الحياة اليومية في ظل النظام الأسدي، والتي لم تتغير منذ عقود طويلة. فالشعارات الأسدية القائمة على فكرة "الأبد" لا تأتي من فراغ بطبيعة الحال، بل هي تجسيد حقيقي لماهية النظام غير القابلة للتغيير.

وبذلك يصبح الفيديو تذكيراً صارخاً بالأسباب التي ثار في وجهها السوريون العام 2011، بعيداً من النتيجة العنفية التي تكرست في رد فعل النظام بعد ذلك، والتي خلقت حالة من التناسي للحياة السابقة في سوريا الأسد، والتي لا تختلف كثيراً في جوهرها عن الموت الذي ينشره النظام ببراميله وقذائفه منذ الثورة، لأن الحالتين قائمتان على العنف المجاني لا أكثر.

ومن السهل القول أن النظام السوري مُصرّ على استخدام كل الطرق من أجل إدهاش العالم في سباقه المحموم مع نفسه لتسجيل أرقام قياسية في مجال تصدير العنف وتقديمه بطرق "مبتكرة"، وكأنه يقوم بممارساته العنفية المتعددة التي تبدأ من إلقاء برميل متفجر على مستشفى ميداني أو منزل يتكوم فيه الأطفال في زاوية بين الركام، إلى اعتقال الطلاب ونشر "الفضيلة ضد الغش في المجتمع"، بشكل واعٍ ومتعمد بقصد "الإبهار" إلى حد الترهيب، وهي فرضية قد تكون صحيحة لو كان عمر النظام السوري سنة أو بضعة أشهر، وليس بعمر عقود طويلة رسّخت هذه العنفية المشهدية والسلوكية كطريقة وحيدة للتفكير ضمن طبقات النظام المختلفة، فضلاً عن كون النظام قائماً على العنف، حرفياً، بالنظر إلى تأسيسه بعد انقلاب عسكري العام 1970 بعد سنوات من استيلاء حزب "البعث" على السلطة العام 1963.

لهذا لم يكن مستغرباً أن يصبح الفيديو منصة انطلاق تذكر بها السوريون تجاربهم الحالكة مع النظام، والتي تشبه ما جرى مع طلاب حماة. ويجب القول أن السوريين لطالما تناقلوا شفهياً أخباراً عن حالات مروعة كهذه في "دولة" أقرب في الواقع إلى إقطاعية كبيرة تابعة لعائلة الأسد. أما الجديد فهو انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت توثق تلك الحالات بصرياً وتنقلها من خانة "الأسطورة" التي لا يمكن التأكد من صحتها أو مدى الإضافات التي تعرضت لها خلال انتشارها الشفهي، إلى خانة الحقائق غير القابلة للشك أو النفي، حتى من قبل الموالين للنظام أنفسهم.

ولم تعرف بعد هوية الجهات التي صورت الفيديو، وإن كان يبدو أنه مصور بأوامر من محافظ حماة نفسه، في نوع من التباهي "بنشر الفضيلة" أو "تطبيق القانون" أو ببساطة: التبجح بامتلاك القوة. لكن ذلك كله ليس مهماً بقدر فكرة تصوير الفيديو من الأساس كتوثيق شخصي لارتكاب العنف، ليس من أجل إدانته بل من أجل ضمه للإنجازات الشخصية، وهي النقطة الإضافية التي تؤكد أن العنف الممارس من قبل النظام السوري ورموزه وشخصياته على اختلاف طبقاتهم، هو جزء من "DNA" النظام ومكون من مكونات شخصيته التي يحب عرضها عبر منصات التواصل الاجتماعي، كأي أمر عفوي طبيعي آخر يقوم به الأفراد الطبيعيون من مشاركة لقصص حياتهم اليومية عبر المنصات الاجتماعية.

ومن النقاط الأخرى التي شهدت تضارباً في القصة هي هوية الجهات التي اقتادت الطلاب، فلم يعرف إن كانوا عساكر في جيش النظام أم ميليشيات حليفة غير نظامية أم حرساً شخصياً للوزير أم قوات من الشرطة العسكرية، وكلها أوصاف وردت في التغطيات الموالية والمعارضة على حد سواء. هذا التضارب في المعلومات يجعل الفيديو قادراً على تقديم لمحة من مستقبل سوريا أيضاً في مرحلة ما بعد الحرب الحالية، والتي ستشهد فوضى في السلاح وفائضاً في القوة، وحينها لن تكون البلاد مجرد مزرعة او إقطاعية للنظام السوري فقط، بل ستصبح مزرعة للميليشيات المختلفة حسب مناطق نفوذها مع انهيار للقانون، أو ما تبقى منه.