هل يرسي ماكرون تقليداً جديداً في حفلة تنصيبه؟

حسن مراد
السبت   2017/05/13
ماكرون يلتقط صورة سيلفي مع "المعجبين" في حدائق اللوكسمبورغ (غيتي)
صحيحٌ أنه ما من نص مكتوب يحدد مراسم تسلم وتسليم السلطة في فرنسا، لكن بعض التقاليد أرسيت على مر السنوات، وبات يمكن من خلالها استشراف مجريات الحفل، حيث تكون وسائل الإعلام في انتظار الرئيس عند كل محطة من محطات هذا النهار الحافل.

غداً الأحد، سيصل إيمانويل ماكرون عند العاشرة صباحاً إلى قصر الإليزيه، حيث يكون فرانسوا هولاند في استقباله ليعقدا خلوةً يتسلم خلالها الرئيس الجديد الرقم السري الذي يتيح له استخدام الأسلحة النووية. بعدها، يرافق ماكرون سلفه إلى باحة القصر ليودعه، ثم يتوجه إلى قاعة الاحتفالات حيث تجري مراسم التنصيب التي يفتتحها رئيس المجلس الدستوري بكلمة يصادق فيها على نتيجة الانتخابات، يتسلم بعدها ماكرون وسام جوقة الشرف ويتلو أول خطابٍ له كرئيس.

بعد الإليزيه، تنتقل المراسم إلى جادة الشانزليزيه حيث يضع ماكرون إكليلاً على ضريح الجندي المجهول لتكون محطته الرسمية الأخيرة في مبنى بلدية باريس. بعد انتهاء المراسم الرسمية، يستكمل الرئيس المنتخب يوم التنصيب على طريقته حيث يتوجه لتكريم شخصيات طبعت تاريخ فرنسا.

لكن، وبخلاف ما قد يبدو عليه هذا النهار من تنظيم وإعداد لا يحتملان الارتجال، إلا أن الكاميرات وثقت في الماضي لقطات ومشاهد من حفلات تنصيب الرؤساء مازالت حتى اليوم محفورة في ذاكرة الفرنسيين، قد يكون أبرزها العام 1974 عندما انتخب فاليري جيسكار ديستان رئيساً بعد حملة انتخابية قدم فيها نفسه بصورة الرئيس الحداثي.

الحداثية التي ابتغاها جيسكار لم تقتصر على برنامجه الانتخابي، بل انسحبت إلى صورته الرئاسية أيضاً. لذا، امتنع جيسكار عن ارتداء وسام جوقة الشرف واكتفى بتسلمه(*)، كخطوة رمزية أرسى من خلالها تقليداً جديداً سار عليه الرؤساء من بعده. إلا أن المشهد الذي ستؤرخه الكاميرات من حفل تنصيب 1974 هو دخول جيسكار إلى الإليزيه سيراً على الأقدام بدلاً من السيارة، في خطوة لاقت استحساناً وترحيباً بالغاً من الفرنسيين وما زالت راسخة في أذهانهم، حيث اعتبرت حينها مؤشراً عملانياً على التغيير المنشود الذي وعد فيه جيسكار ناخبيه. ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً على حفل تنصيب جيسكار، ما زال الإعلام الفرنسي يذكر له مبادرته هذه والتي لم يسبقه إليها أحدٌ من الرؤساء.




بعد سبع سنوات من عهد جيسكار الذي اتسم باضطرابات اقتصادية، انتخب فرنسوا ميتران رئيساً جديداً لفرنسا العام 1981. وفي يوم تنصيبه، غادر جيسكار قصر الإليزيه سيراً على الأقدام كما دخله قبل سبع سنوات، من دون أن يقابله هذه المرة، الفرنسيون المحتشدون خارجاً بالترحيب، بل بهتافات عكست سخطهم على تردي أوضاعهم المعيشية في عهده. وحتى اليوم ما زال يحلو للإعلام أن يضع مشهدي دخول وخروج جيسكار سيراً على الأقدام مقابل بعضهما البعض كأبرز مقارنة لبداية ونهاية عهد ثالث رئيس للجمهورية الخامسة.



وأرسى ميتران قواعد جديدة في مراسم التنصيب كبصمةً خاصة به تحولت إلى تقليد يضاف إلى جدول هذا النهار الذي تعرفه فرنسا كل خمس سنوات. فبعد انتهاء المراسم في بلدية باريس، توجه ميتران إلى مبنى Panthéon ،أي مقبرة العظماء، ليضع زهوراً على أضرحة كلٍ من جان جوريس، جان مولان وفيكتور شولشير.

كان يمكن لهذه الخطوة أن تمر مرور الكرام لولا الإخراج التلفزيوني لها. يومها حرص القيمون أن يظهر ميتران بمفرده على الشاشة وألّا تلتقط الكاميرات سواه وهو يدخل ليضع زهوره على وقع سيمفونية أنشودة الفرح التي عزفتها أوركسترا باريس. الإخراج التلفزيوني خلّد هذا التكريم المهيب الذي خصّ به ميتران ذكرى الشخصيات الثلاث، ليتحول إلى تقليد جمهوري يقوم فيه كل رئيس جديد بالتوجه إلى أضرحة يرغب بتخليد ذكرى أصحابها.



أما ما طبع حفل تنصيب الرئيس نيكولا ساركوزي العام 2007، فلم يكن تخليده لذكرى مقاومين فرنسيين، بل مشهد وصول أفراد عائلته إلى الإليزيه، والذي شبهته وسائل الإعلام المحلية بدخول النجوم إلى المهرجانات السينمائية، وهو تخليد له خلفياته المهمة. فقبل نحو سنتين من الاستحقاق الرئاسي حينها، طفت على السطح الخلافات بين ساركوزي وزوجته السابقة سيسيليا، والتي شغلت وسائل الاعلام في حينها لحرص ساركوزي الدائم منذ العام 2002 على أن تظهر أسرته في صورة مثالية، كإحدى ركائز حملته الدعائية تحضيراً للظفر بكرسي الرئاسة. وتفاقمت الخلافات بين الزوجين حتى بلغت أوجها في الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي. يومها لم ترافق سيسيليا زوجها إلى مركز الاقتراع كما لم تلتقطها العدسات في وقت لاحق وهي تدلي بصوتها في مؤشر على حدة الخلافات التي لامست مرحلة اللاعودة.



عقب إعلان النتيجة، كان يفترض بساركوزي أن يتوجه إلى ساحة الكونكورد للاحتفال مع أنصاره، إلا أنه انحرف إلى أحد المقاهي حيث كانت سيسيليا، الغائبة طوال ذلك النهار، قد خططت قبل أيام لجمع أصدقاء مقربين في احتفالية صغيرة وسريعة. غيابها قض مضجع ساركوزي، وبعد تدخل الأصدقاء حضرت سيسيليا إلى المقهى لترافق زوجها إلى الكونكورد، كل هذا في نقل مباشر على شاشات التلفزة امتد لأكثر من ساعتين. وبالتالي، كان من الطبيعي أن تخطف عائلة ساركوزي الأضواء بدخولها مجتمعةً إلى حفل التنصيب ما اعتبر حينها مؤشراً على نهاية حالة الجفاء بين الشريكين، ولو أن شهر العسل هذا لم يعمر طويلاً حتى انتهى بالانفصال.

من جهة أخرى، ترك فرانسوا هولاند بدوره بصمةً خاصة به يوم تنصيبه. فبعد انتهاء الخلوة مع ساركوزي ومصافحته له على درج الاليزيه، فوجئ الحضور بهولاند يدخل مباشرة إلى قاعة الاحتفالات من دون انتظار خروج سلفه من بوابة القصر كما درجت العادة، وهو ما اعتبر أمراً فظاً وصفه البعض بالعثرة الأولى في عهد هولاند، حتى أنه أبدى مؤخراً أسفه لما ارتكبه.


واليوم، بعد انتخابات استثنائية لم تعرف لها البلاد مثيلاً، سيصبح إيمانويل ماكرون ثامن رئيس للجمهورية الخامسة، فهل سيرسي خلال حفل تنصيبه تقليداَ جديداَ كما فعل جيسكار وميتران؟ أم ستلتقط الكاميرات مشهداَ يظل خاصا به كما جرى مع هولاند وساركوزي؟ أم ستجري مراسم التنصيب من دون أن يترك أي أثر كما في حالة شيراك وبومبيدو وديغول؟


(*) الفيديو الخاص بجيسكار مأخوذ عن فيلم وثائقي بعنوان:
Giscard L'homme Blessé (جيسكار الرجل الجريح - 2012)
إخراج: فريديريك برونكيل.