مسلسل "شوق".. عذابات سبايا "داعش"

وليد بركسية
الخميس   2017/04/13
إعدامات وتجارة رقيق وسبايا

رغم تصويره داخل سوريا في مناطق سيطرة النظام، وبممثلين وفريق عمل يميل معظمهم لتأييد النظام السوري، إلا أن مسلسل "شوق" الذي يوشك عرضه على الانتهاء على شاشة "أو إس إن" المشفرة، يقدم عدداً من الحكايات التي تستند للحرب الدموية في سوريا، باحترافية عالية بعيداً عن البروباغندا التي كانت الصفة الوحيدة لعشرات الأعمال الفاشلة التي أنتجت في سوريا منذ العام 2011.

ويقدم المسلسل  خطاً درامياً مؤثراً ومؤلماً بتركيزه على النساء السوريات المخطوفات في تجارة الرقيق والجنس التي أعادتها التنظيمات التكفيرية مثل "داعش" من قرون الظلام إلى القرن الحادي والعشرين. إلا أنه يركز بموازاة ذلك على طيف واسع من ضحايا الأزمة السورية، من النساء والشباب والعائلات والفقراء والأغنياء، عبر رصد شديد الحساسية لحالات متعددة من النماذج التي تأثرت بالحرب بطريقة أو بأخرى، ليس بقصد تقديم أنماط اجتماعية أو رصدها بجمود تقريري وثائقي، وإنما لعرض حكايات تتقاطع مع بعضها بسلاسة، وتجمعها الحرب التي تدفع الشخصيات نحو اتخاذ خيارات متطرفة أو مواجهة أقدار متطرفة بفعل قرارات الآخرين.


ومن اللافت أن يقدم العمل شخصيات غير نمطية، مثل المحامي وائل المدافع عن قضايا المعتقلين لدى النظام السوري والباحث عن أي أثر من زوجته الناشطة المعارضة البارزة روز، التي تركته بسبب خلاف حاد في المواقف السياسية، والتي تذكر قصتها بالملامح العامة لقصة الناشطة رزان زيتونة التي اخطتفت من قبل جهات مجهولة في الغوطة الشرقية، ويبدو أن المسلسل يستوحي الملامح العامة لقصة زيتونة ويبني عليها قصة متخيلة مشوقة، حيث تتعاقب أكثر من ثلاثة جهات مسلحة على خطف روز مع مجموعة من النساء الأخريات إلى أن تقع أخيراً في قبضة "داعش" المتوحش الذي ينقلها إلى عاصمة خلافته الرقة حيث لا سبيل للهروب.

إلى جانب ذلك يعرض العمل كثيراً من "المشاكل" اليومية والتذمر وقصص الحب الفاشلة والعلاقات العاطفية وجوانب "مشاكل الأثرياء" في بيروت وتجار الحروب والعلاقات المشبوهة بين المسؤولين الرسميين وأعمال العنف الدموية، وكل ليس مجرد ديكور لتسويق القصة ولا تنويعاً بقصد تخفيف وطأة تخصيص نص كامل للحديث عن القصص الأكثر ألماً مثل النساء المخطوفات والأسلمة والحياة تحت الحصار، بل هو أمر مقصود وبارع من الكاتب حازم سليمان، وكأنه مقارنة بين الآلام ومفاضلة بينها والتي تبدو كلها وكانها ترف مقارنة بالفظائع التي ترتكبها الجماعات الإسلامية المتشددة في مناطق مختلفة بما فيها الرقة.

وهكذا يقول المسلسل أن الأهم في هذا التوقيت هو التخلص من التطرف الإسلامي، ويتجلى ذلك عبر الجمع بين الناشطة المعارضة روز مع جموع من النسوة المواليات للنظام في سجن داعشي واحد، حيث يستهدف ذلك العدو الظلامي الجميع من دون تمييز بين موال أو معارض للنظام، وكأن العمل يتحسر على ذلك الواقع بموازاة رسالته الطوباوية للمحبة بين السوريين ضد عدوهم الظلامي الواحد، علماً أن العمل لا يطرح في حواراته كثيراً من الفلسفة حول مصير النظام السوري أو الحل السياسي أو أسباب الثورة كما لا يلقى الاتهامات على طرف ضد آخر إلا ضمن سياقات درامية مبررة، وهي نقطة احترافية تستحق الإشادة.

وفي تجسيدها لشخصية روز، لا تمثل سوزان نجم الدين الشخصية بل تعيشها بكل مشاعرها ومبادئها وأفكارها، وتنجح ببراعة في رصد حالات شعورية عميقة داخل روز، من الأمل إلى اليأس والشوق لحياة أفضل ولمبادئ المدنية والديموقراطية التي اختفت من خطابات الثورة السورية اليوم، ولا يميل المسلسل لشيطنة المعارضة مثلاً عبر تشويه صورة روز، بل يتم رسمها كناشطة عنيدة منحازة للإنسانية ومعارضة للنظام السوري بإخلاص حتى عندما يختطفها تنظيم "داعش" سبية للجنس. وبهذا الأداء المبهر لا تثبت نجم الدين كم هي ممثلة بارعة فقط بل تظهر أيضاً لماذا تصنف كنجمة عربية حقيقية. فكمية العواطف التي تقدمها لا تزيد أبداً عن الحد نحو انفعالات مجانية كانت تعاني منها في بعض أدوارها السابقة، كما أنها لا تقدم ذلك الجمود البشع الذي بات صفة لممثلات البلاستيك العربيات.

في السياق تبرز الممثلتان ليلى جبر العائدة للدراما بعد انقطاع وإمارات رزق بأداء شديد الحساسية في دور النساء المخطوفات، إلى جوار أداء صادم من الممثلة القديرة لينا حوارنة في شخصية الجلادة الداعشية المسؤولة عن مركز السبايا في الرقة، حيث تقدم أداء مليئاً بالشر بعكس كل أداءاتها السابقة التي نمطتها بالأدوار الناعمة والرقيقة، كما تجب الإشادة بالنجم باسم ياخور الذي يظهر ارتقاء إضافياً في قدراته التمثيلية ونضوجاً يذكر بالراحل خالد تاجا على صعيد التوازن العاطفي وقوة الأداء، مع أداءات جيدة من القيم الثابتة في الدراما مثل منى واصف وصباح الجزائري وأحمد الأحمد، وإقناع من الوجوه الشابه مرام علي وفراس الحلبي.

النقطة السابقة في العمل دقيقة جداً، لكن المخرجة رشا شربتجي العائدة للعمل الدرامي بعد سنوات من الانقطاع، تضبط إيقاع مشاهدها وانفعالات ممثليها، لكن العمل يأتي كلاسيكياً إلى حد كبير من الناحية البصرية، وقد يكون ذلك مبرراً أمام قوة الأحداث التي تجري والتي لا تحتاج إلى أي فلسفة بصرية زائدة قد تعرض العمل للانحياز مثلاً إلى طرف ضد آخر، وتتعاظم الواقعية في معتقلات النساء حيث تظهر النجمات والممثلات بلا ماكياج، لكنها حدتها تخف قليلاً في المشاهد التي تدور في مدينة الرقة حيث يصبح الوضع أكثر تجريدية وفجاجة، فيطغى اللون الأصفر الباهت، على كل شيء كإشارة للإرهاق أو التعب أو المرض السرطاني المستشري في "عاصمة الخلافة"، أو ربما يكون ذلك مجرد إشارة إلى الصحراء المحيطة بالمدينة لا أكثر.

رغم ذلك لا يخلو العمل من عثرات، فأداء الممثل جوان خضور على سبيل المثال شديد الرداءة وكأنه يشتم رائحة كريهة طوال العمل ليحافظ وجهه على تعبير واحد من دون سبب، فيما تبدو قصة شخصية شوق التي تلعبها الممثلة نسرين طافش، وكأنها استنساخ محلي لفكرة فيلم "Still Alice" الذي حصدت من ورائه النجمة العالمية جوليان مور جائزة الأوسكار العام 2015، باجترار مرض الألزهايمر المبكر "جداً" إلى القصة من دون مبرر أو إسقاطات على الواقع السوري اليوم.

كما أن الأحداث التي تدور في بيروت تبدو أقل جودة بكثير من تلك التي تجري في سوريا، ليس لأن الشق اللبناني من العمل يدور حول عائلات ثرية، مع هامش بسيط لعرض بعض قصص معاناة المهمشين والفقراء من النازحين، بل لسوء عرض القصة، الممثلون اللبنانيون يكادون يتحدثون باللغة الفصحى لشدة إصرارهم على اللغة العربية، ويبدو الحوار وكأنه كتب لممثلين سوريين وتمت قراءته باللكنة اللبنانية لا غير. وجميع الممثلين اللبنانيين يبدو لهذا السبب ربما وكأنهم متطفلون على سياق الأحداث.