رجال الماضي في مواجهة "داعش" الحاضر!

أحمد ندا
الأربعاء   2017/04/12
أنصار لمبارك في القاهرة (غيتي)
التوقعات التي طُرحت منذ أقل من شهر، حول عودة كرم جبر رئيس مجلس إدارة "روز اليوسف" الأسبق إلى المشهد الإعلامي عبر توليه منصب "الهيئة الوطنية للصحافة"، وعودة مكرم محمد أحمد، طريد نقابة الصحافيين إلى منصب "المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام"؛ باتت حقيقة اليوم. بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي العاجل بالتصديق على تعيينهما في هذه المواقع أمس.


الحديث عن عودة رجال الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى المجال العام بمختلف المؤسسات وفي مناصب ذات حيثية لم يعد طرحاً جديداً، خاصة في الإعلام الذي يقود حملة منظمة لتبييض وجه مبارك من جرائمه واعتباره "مظلوماً" من قبل الثورة التي لم تعطه ما يستحق. كما أن عودة مكرم وجبر إلى الصورة مرة أخرى مخطط تم إعداده منذ فترة، عبر تكريس "أهميتهما الإعلامية" عبر استضافتهما في برامج حوارية ومجاورتهما للسيسي في مناسبات واحتفالات عامة خلال الأشهر القليلة الماضية، في تجسيد لـ "لعبة" جس النبض التي تمارسها الدولة وتبصر بها ردود الأفعال.

لعل ما يهم الآن هو توقيت القرار ودلالة ذلك التوقيت، إذ أن القرار صدر بشكل رسمي بعد ساعات قليلة من إعلان حالة الطوارئ، وبعد أن خرج السيسي يتحدث ويعلن عن ضيقه من الأداء الإعلامي بشكل عام تجاه تفجير الكنيستين قبل أيام؛ هذه المرة وصل ضيق السيسي من الإعلام إلى حده الأقصى، فلم يكن كافياً فرض قانون الطوارئ وما يعطيه من صلاحيات للبطش بكيانات إعلامية وصحافيين وإعلاميين تحت مظلة قانونية صلبة، بل أتى التعجيل بطرح الأسماء ذات الخبرة على تطويع الميديا عموماً.

يتزامن طرح الاسمين أيضاً، مع مقطع فيديو جديد أصدرته "داعش" من سيناء بعنوان "صاعقات القلوب"، توثق فيه لما تسميه "انتصاراتها" أمام الجيش المصري. ليكون الفيديو الثاني في أقل من من شهر للتنظيم، أما الأول فهو فيديو "فرض السيطرة على مجريات الحياة اليومية" في منطقة سيطرت عليها وطبقت "حكم الشريعة"، من حرق السجائر والخمور إلى استتابة المتصوفة وقتل اتنين من مشايخهم، مع شخصين يقدمان فيديو الانتصار العملي بارتياح شديد ووجوهم ظاهرة من دون إخفاء لهويتهم.

يأتي فيديو صاعقات القلوب، بعنوانه الذي "يبث الرعب" لتوثيق قتل وقنص مجندين، بآيات وأحاديث ووعيد مستمر باستمرار العمليات ضد الجيش المصري. وما بين الفيديو الأول والثاني تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية. وبالتالي فإن للحرب الدائرة مع مرتزقة "داعش" مستوى عسكري على الأرض، وآخر إعلامي مشهدي، وحاولنا طوال الأعوام الماضية التعليق وتحليل طبيعة هذه الحرب البصرية بين الطرفين، وكيف تعجز الدولة المصرية أن تؤسس لنفسها شرعية إعلامية أمام السرطان الداعشي.

وعليه، فإن التغييرات الإعلامية الجديدة بعودة مكرم وكرم، تقول أن الدولة لا تتعلم من أخطائها، ولا ترى في أي إجراء تتخذه تقصيراً، تماماً كما اعتبر السيسي أن ما يحدث في سيناء "انتصار". ورغم أن النصر في المعركة البصرية مع "داعش" ليس سهلاً، إلا أنه يصر على استقدام "خبراء النظام السابق"، لأن وظيفتهم الأساسية ليست محاولة مواجهة الانتشار الإعلامي الداعشي بقدر ما هي وضع عين على الإعلام المصري وتقييده على مزاج الرئيس. فكيف يمكن لرجال ماضٍ تكلست أفكارهم منذ عقود على الرضا الرئاسي أن تطوع كياناً هائلاً وتطوره وتواجه به منتجاً بصرياً ذكياً كالمنتج الداعشي؟

في تقرير لموقع "ذي أتلاتنيك"، يرجع سبب نجاح تنظيم "داعش" في مصر، ليس فقط إلى عدم كفاءة السلطات المصرية وقدرتها على مواكبة هذا التهديد المتصاعد، بل أيضاً بسبب التطور المتزايد لعمليات "داعش" المُوجّهة إلى مصر، وإعطاء المزيد من الوقت والموارد، لمصر، ما يرجح أن يتجه الوضع نحو مزيد من السوء في المستقبل.

ومثلما أن المقارنة بين الجيش المصري ومرتزقة "داعش" ليس في صالح الأخيرين، فإن الماكينة الإعلامية المصرية الهائلة ومئات القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإخبارية قادرة على محاصرة التسلل الإلكتروني لذلك الكيان، لكنها بدلاً من ذلك توجه طاقتها لتطويع الداخل فحسب. وهكذا يمكن لمكرم محمد أحمد أن يخرج ويقول من التصريحات ما يشاء، حول تطوير الإعلام وتنظيم المستقبل، وهو الرجل الثمانيني، في نهاية الأمر فإن مجرد وجوده في ذلك التحدي الإعلامي فشل مدوٍ لن تعيه الدولة إلا بعد فوات الأوان.