الانتحار على دفعات

نذير رضا
الجمعة   2017/03/31
تتعلق عاملة منزلية بطرف النافذة، طالبة النجدة. لا تبادر ربة المنزل لمساعدتها. تتركها لتهوي، من الطابق السابع، الى أسفل المبنى، لتستقر على جسدها. 
ليست مبالغة القول إن ربة المنزل تفتقر الى الانسانية، والشهامة أيضاً. ذلك أن ما كانت تفعله، أكبر من فعل منافٍ للأخلاق ومجافٍ للإنسانية. فهي نذلة، بالمعنى الحرفي، كونها لم تكن عاجزة عن المساعدة، بل مشغولة بتصوير حادثة السقطة – الجريمة. وثقتها بكاميرا هاتفها، من لحظات استجداء المساعدة، الى لحظات الموت الذي وصفه بعض مستخدمي موقع "فايسبوك"، حيث انتشر الفيديو، بأنه محاولة انتحار موثقة. 

بالتأكيد فكرت ربة المنزل بالاثارة التي يمكن أن تنتج عن تصوير الواقعة. بينما كانت صرخات طلب المساعدة تتسارع، في عيني العاملة، وفي يدها، وفي لحظات ما قبل اختبار الموت، كانت ربة المنزل مشغولة بالسبق. تتحرك الكاميرا من غير أن تنبسّ بشفة. في خلفية الفعل، تنظر الى المرأة العاملة على أنها ادنى مستوى. يمكن أن يتحول موتها الى سبق، يحصد "لايكات" مواقع التواصل، ويستدعي المشاهدين. 

وعليه، الفعل، ليس استخفافاً بالأرواح فحسب. هو عنصرية محتمة، تبدّت أخيراً في شكل الهوس بالصورة والسوشال ميديا. ضرب من الوقاحة، ونكران الآخر، وأنانية. ذلك ان رؤية طبقية نمت على نظريات تصنيف البشر، أباحت لربة المنزل التلذذ بالموت الذي يتحرك، هبوطاً، الى مستوى يمكن المرأة من النفاذ، بالقول انه انتحار. وهو، برأيها، انتحار موثق. انتحار على دفعات متتالية، منذ خطت العاملة قدمها في طائرة ستقلها الى منزل مخدومين بلا ضمير، وصولاً الى "محاولة الانتحار" (أهي كذلك فعلاً؟) بالوقوف على نافذة شاهقة لتلميع زجاجها، الى أن آن موقع السقوط الحتمي.

والسقوط هنا، لا يقتصر على العاملة. بل على منظومة قيمية انهارت اثر استعلاء ناتج عن استدعاء بشر، يُنظر اليهم على أنهم أدنى مرتبة، وقادتهم الظروف ليكونوا عاملين في منازل الاثرياء. 

الألم الذي خلفه المشهد لدى المتلقين، أحال الاستهجان للجريمة الموثقة بالصورة، شتيمة. لم ينطلِ على أحد أن الواقعة هي محاولة انتحار. قال معلق: "عمتقلها امسكيني.. يعني مو انتحار، هي جريمة قتل موصوفة.. إذا الحكومة ما تدخلت، لازم مجموعات حقوق الإنسان تدخل وتثير الموضوع وترفع دعوى حق عام". وتحول الجدل الى وصفها بـ"عديمة ضمير" و"حقيرة".. الى ما هناك من شتائم. 

لكن مهلاً.. للفيديو تكملة.. فقد انتشر مقطع آخر يؤكد أن العاملة لم تمت اثر سقوطها من الطابق السابق. اصيبت بكسر في يدها، وأظهرت رجال الدفاع المدني ينقذون المرأة، فيما أكد رواد مواقع التواصل ان ربة المنزل اقتيدت الى القضاء.