التلفزيونات اللبنانية "تظاهرت" أيضاً

بتول خليل
الأحد   2017/03/19
تعمّدت القنوات التلفزيونية الناطقة بألسنة أحزاب السلطة، أسلوب المواربة في التغطية يوم الأحد (ريشار سمور)
ساعات طويلة من البث الحيّ خصصتها غالبية القنوات التلفزيونية لتغطية التظاهرات التي شهدتها ساحة رياض الصلح بدعوة من مجموعات الحراك المدني وعدد من الأحزاب السياسية احتجاجاً على رفع الضرائب مقابل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهو المطلب الذي بدت التغطية التلفزيونية موحّدة خلفه، لناحية نقل مواقف المتظاهرين والدافع لنزولهم إلى الشارع مروراً برفع بعض القنوات الصوت مع المواطنين والمناداة بمطالبهم، وصولاً إلى اعتماد شعارات وعناوين مطلبية كان يتمّ الترويج لها عبر مواقع التواصل.


الساحة نفسها استعادت اليوم صورة مشهد التظاهرات التي دعا إليها الحراك المدني العام 2015 على خلفية فضيحة ملف النفايات، وواكب أحداثها وتطوراتها الإعلام اللبناني بإجماع قلما شهدناه، لكنه لم يخلُ وقتها من الانقسام والاختلاف في أسلوب التغطية وتظهير المواقف، الأمر الذي عكسته أيضاً التغطية الأخيرة التي جاءت لتؤكّد مجدداً أن ما تعبّر عنه هو إعلام الأجندة وليس إعلام المهنة، والذي لا يتوانى خطابه عن تمرير رسائل السلطة والأحزاب، ولا يغدو أداؤه سوى انعكاس لتناقضات المواقف والمآرب السياسية، خصوصاً في القضية الآنية محور الاعتراض والاحتجاج.

وعلى الرغم من استمرار تصرفهما وكأنهما تغردان خارج سرب التبعية السياسية الإعلامية المباشرة، إلا أن أهداف قناتي "إل بي سي" و"الجديد" كانت واضحة: تريدان ريادة الحراك، لا تغطيته، واستقطاب جمهوره ومؤيديه. وبدت القناتان، يوم التظاهرة الأحد، وكأنهما لم تتخطيا هاجس المنافسة على قيادة الشارع وتبنّي شعاراته، وهو ما ترجمه تلفزيون "الجديد" برفعه شعار "عالشارع الأحد" الذي ظهر في أسفل الشاشة طوال ساعات النقل المباشر من ساحة رياض الصلح، إلى جانب استضافته قبيل بدء التظاهرة، الناشطين مروان معلوف ومارك ضو، للحديث عن أهداف النزول إلى الشارع وحشد المشاركين. فيما برز تركيز "إل بي سي" طوال تغطيتها المباشرة على الشعارات المرفوعة، ووضعها ما يجري على الأرض في سياق التعبير عن "صرخة المواطن" التي "ستضع الحكومة والمجلس النيابي أمام اختبار حقيقي في العهد الجديد".

في المقلب الآخر، فإن القنوات التلفزيونية الناطقة بألسنة أحزاب السلطة (مباشرة) تعمّدت أسلوب المواربة في التغطية، باستثناء قناة "المنار" التي غابت نهائياً عن النقل المباشر مكتفية بنقل وقائع ما يجري في ساحة رياض الصلح في نشرة أخبار الظهيرة، وهو ما أتى امتداداً لأسلوب مقاربتها الاحتجاجات على رفع الضرائب والمناداة بمحاربة الفساد والتصدي له، والذي اعتمد خلال اليومين الماضيين على القليل من التقارير والمرور العابر في نشرات الأخبار، بشكل عكس ميل القناة لإمساك العصا من الوسط والحرص على عدم التصادم مع أي من أحزاب السلطة، مكتفية بإبراز ما جاء في خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي وضع تطورات ما يجري مؤخراً في سياق المزايدات وتصفية الحسابات، منتقداً ما أسماها "الأكاذيب التي بثّت في مواقع التواصل" في ما يتعلق بلوائح تضمّ أرقام الضرائب الجديدة، معتبراً أنه يمكن "تمويل السلسلة من دون زيادة ولا ليرة على أي فقير في لبنان"، وهو الموقف الذي تبنّته القناة وبرّزته في مقدمة نشرتها الإخبارية الرئيسية وسارت لاحقاً بمحاذاته.

خطاب مشابه تبنّته قناة "إن بي إن" تماهياً مع ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن ما يحصل هو حملة منظمة على المجلس النيابي، يهدف إلى تطيير قانون الانتخاب والانتخابات، وهو ما عبّرت عنه القناة بقولها إن هناك "شائعات رافقت المزايدات، ضيّعت الناس وكادت تطيح سلسلة الرتب والرواتب، وركّبت أرقاماً وافتعلت زيادات افتراضية وأوهمت المواطنين بتكاليف مالية يدفعونها في يومياتهم ومعيشتهم"، وإن "هذه الشائعات لم تكن بريئة ولا حتى وليدة الصدفة بل كانت نتيجة حملة عرّاها الرئيس نبيه بري، وجاءت لتستهدف مجلس النواب وتطيح قانون الانتخاب والانتخابات". وذهبت القناة أبعد من ذلك بمحاولتها زرع الشكوك حول تظاهرات اليوم وإخراجها من طابعها المدني والمطلبي بسؤالها في تقرير إخباري "هل هناك من توظيف سياسي أم انتخابي للشارع في هذه الفترة؟"، لتجيب: "بالتأكيد نعم، بدليل الخطابات السياسية، فيما هدف المواطنين نبيل وهم ضحية الشائعات حول إيرادات السلسلة وتحديد مواعيد للتظاهرات"، ثم تستتبع في تقرير آخر بالقول إن "الشائعات التي شغلت مواقع التواصل حول زيادات ضريبية تستهدف المواطن اللاهث خلف كسرة خبزه، نجحت في تحريك الشارع بعدما وحّدته أرقام الزيادة الافتراضية".

ومن هذا المنطلق استهلّت "إن بي إن" تغطيتها للتظاهرات اليوم بتركيزها على أن هناك "أسئلة كثيرة تُطرح حول هذه المواجهة الشعبية وإلى أين ستؤدي"، مذكرّة بين الفينة والأخرى بموقف رئيس مجلس النواب وتحذيره من "الشائعات والأكاذيب" و"محاولات إطاحة الانتخابات". وهو الأمر الذي لم يغب عن تغطية قناة "أو تي في"، التي استبقت تغطيتها لتظاهرات الأحد، بما أسمته بـ"الكشف عن المستور وتبيان حقائق الأمور"، حيث أبرزت في مقدمة نشرتها المسائية، السبت، موقف وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الذي قال إنه "ليس بالتضليل والشائعات وحدها تحيا السلسلة"، وإنّ "وراء الأكمة ما وراءها"، وهو الخطاب الذي ظلل تغطية القناة البرتقالية لساحة رياض الصلح اليوم الأحد، فاستهلتها بالتشكيك في قدرة هذه التظاهرات على تحقيق المطالب، لتنهيها باستهجان رفع المتظاهرين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي رسم الكثير من علامات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية وراء النزول إلى الشارع اليوم، من المنظور "العوني".

بموازاة ذلك، لم تحمل تغطية "إم تي في" رسائل سياسية مباشرة. ففيما رفعت القناة شعار "الشارع ينتفض"، جاء أسلوب تعاطيها متماهياً مع الموقف الذي أعلنه رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بأنّ حزبه ضدّ أي زيادة للضرائب، وبأنهم متمسكون بمجموعة إصلاحات قادرة على تحسين وضع الدولة المالي"، وهو ما انعكس في أسلوب التعاطي مع التظاهرات اليوم، من خلال ما برز من تركيز المراسلين على سؤال المتظاهرين عن اقتراحاتهم لتمويل السلسلة والبدائل المطروحة لتفادي رفع الضرائب، بموازاة إبرازها المطالب الداعية لوقف الهدر والفساد. وعلى المنوال عينه، ذهب تلفزيون "المستقبل" في تغطيته، بالتركيز على الشعارات والمواقف التي تدعو إلى وقف الهدر، مشيراً إلى أن البعض لديهم أجندات ورسائل سياسية يريدون إيصالها إلى الحكومة، لكن على الرغم من ذلك خلصت تغطيته إلى أنّ المتظاهرين جميعاً توحّدوا تحت تحت شعار مطلبي واحد.