عبد الله الغربي.. ذلك الوزير السوري الدرويش

وليد بركسية
الأربعاء   2017/12/13
يلعب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبد الله الغربي، دوراً دعائياً واضحاً لتلميع حكومة النظام السوري في أوساط الموالين للنظام. فبعد الصور التي تنتشر له بشكل روتيني، وهو "يكافح الفساد" ويتحدث مع المواطنين "من دون مرافقة" ومن دون ملابس رسمية وربطات عنق، بات يظهر في برامج التلفزيون السوري، ليس للحديث والتحليل والحوار، بل كضيف في البرامج الكوميدية وهو يقلي البيض!


وظهر الغربي في زيّ بسيط وهو يطبخ ويلقي النكات التي لا تُضحك أحداً في برنامج كوميدي أطلقه التلفزيون السوري في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعنوان "كلام كبير" والذي يعتبر نسخة تقلد برنامج "هيدا حكي" للممثل والكوميدي اللبناني عادل كرم، بطريقة سطحية مكررة وبالتحديد ما يقوم به مقدم البرنامج عماد جندلي من تقليد رخيص لحركات كرم بموازاة كونه مجرد برنامج يقدم البروباغندا الرسمية بكل ما يحمله ذلك من استخفاف بعقول المشاهدين.



ولا تحمل الصدمة التي يحدثها ظهور الغربي بهذه الطريقة غير المألوفة في بلد اعتاد أبناؤه مشاهدة ربطات العنق البعثية الحمراء تنسدل فوق "كروش" المسؤولين المجهولين، أية أبعاد إيجابية، نظراً لأن سوريا الأسد قدمت نموذجاً صارماً في تقديم الشخصيات الرسمية طوال عقود من الحكم البعثي الشمولي. واليوم، بعد سنوات الثورة السورية، لم تشهد أي تغيير يذكر في فلسفة الحكم أو أي إصلاح حقيقي للأسف، ولا تتعدى الصورة كونها جهداً دعائياً بصورة "مشرقة" و"cool".

والحال أن صورة البساطة التي يحاول الغربي الظهور بها لا تعكس حقيقته كأحد أركان حزب البعث الحاكم. فهو من مواليد مدينة تلكلخ بمحافظة حمص، ويحمل إجازة في هندسة المعلوماتية وشهادة دكتوراه في الإدارة، إضافة الى كونه ناشطاً في "الحزب الحاكم" منذ العام 1981، إلى حد وصوله لمرتبة عضو منظمة قيادة حزب "البعث" في مدينة ليون الفرنسية، وعضو المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سوريا في فرنسا، وعضو مؤتمر شعبة المدينة الثانية فرع دمشق، وعضو مؤتمر فرع دمشق للحزب لدورات عديدة، وكلها مناصب وصِفات مخيفة تنزع عنه الوجه اللطيف الذي يحاول الظهور به منذ تقلده منصب وزارة "التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، مطلع تموز/يوليو2016، علماً أنه كان حينها الاسم الوحيد في حكومة النظام الأخيرة، الذي لم يشغل أي منصب وزاري من قبل.

وعبر استضافة وزراء الدرجة الثانية حصراً، مثل الغربي أو وزير السياحة بشر يازجي صاحب الإطلالات الإعلامية المتكررة، والذين بات تخصصهم تقديم بروباغندا النظام للداخل والخارج، فإن الحكومة تظهر حاجتها الماسة إلى صناعة أبطال يرسمون صورتها بصفات مثل التواضع والشعبية والانتماء للناس، بعكس صورتها الحقيقية. ويحاول الغربي نفي تلك الصفة في حديثه عن الوزراء "الجائعين" الذين يعملون لساعات طويلة ولا يجدون الوقت لتناول وجبة واحدة خلال النهار، وبأنهم طبقة من "الدراويش" و"البسطاء" مثل أي سوري آخر!

وباتت هذه الحاجة متزايدة في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع السخط الشعبي لدى جمهور الموالين وقضية ارتفاع الأسعار التي ولدت غضباً واضحاً في الأسبوعين الأخيرين مع انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، إضافة إلى تدهور الأداء الحكومي في مناطق سيطرة النظام عموماً في ملف الكهرباء التي باتت نوعاً من الرفاهية بسبب ساعات الانقطاع الطويلة. وكلها أسباب جعلت الموالين للنظام يحتجون مراراً على الأداء الحكومي "الكارثي"، الذي بات الفساد فيه أكثر علانية من أي وقت مضى، خصوصاً أن المليشيات الموالية للنظام مثل "لجان الحماية الشعبية" و"الدفاع الوطني" باتت تشكل عصابات محلية على حساب الناس، تحت رعاية الحكومة السورية، وبكل تأكيد ضمن علاقات مافياوية.

ويبدو أن إعلام النظام يحاول تجديد نفسه عبر هذه النوعية من البرامج "الساخرة" والتي كان من بينها برنامج "غداً قد نلتقي" الذي قدمه أمجد طعمة على شاشة قناة "تلاقي" الرسمية إلى حين إغلاقها، وكان بدوره يقلد كرم الذي يبدو نموذجاً "ستاندرد" للتقليد. وتعمل هذه البرامج على تخفيف الاحتقان الشعبي في صفوف الموالين أنفسهم ضد الحكومة، بسبب ارتفاع مستوى الاستياء من الأداء الخدمي والوضع الاقتصادي المتردي، وذلك عبر السخرية وإلقاء النكات على الواقع العام بـ"جرأة"، وخلق وَهم المساءلة الإعلامية، وبأن البلاد على طريق "الإصلاح".

ومن اللافت أن العديد من المواقع الإعلامية الأكثر راديكالية في موالاتها للنظام تهاجم برنامج "كلام كبير" لأنه يحاول الخروج عن تقاليد الإعلام السوري، وليس معروفاً سبب الغضب الذي تقدمه صفحات كبرى مثل "دمشق الآن" ضد البرنامج. إذ لا يتم انتقاد مستواه الرديء والكوميديا التي لا تضحك التي يقدمها، بل تأتي الانتقادات من أن هذا النمط من البرامج الساخرة، هي برامج تمثل "الإمبريالية" و"الرأسمالية" وبأنه لا يجب على الإعلام السوري "الملتزم" تقليد البرامج "الشريرة" وعلى رأسها برنامج "البرنامج" للمصري باسم يوسف.