تحالف "آبل" وسبيلبرغ يطيح معادلات "تلفزيون الويب".. قبل ترسخها!

أحمد مغربي
الخميس   2017/11/23
المخلوق الفضائي المحبب من الثمانينات.. تعيده "آبل" بطريقتها
هل تعتزم "آبل" السيطرة على تلفزة الويب عبر صفقتها المليارية مع المخرج ستيفن سبيلبرغ؟ 
بمعنى ما، توحي الأخبار التي تناقلها الإعلام العام أخيراً عن صفقة عقدها سبيلبرغ مع شركة "آبل" بأن الأخيرة لجأت إلى سلاح استراتيجي في الترفيه البصري، بل عادت إلى الأصل فيه، أي السينما المستمرة منذ 121 سنة. إذ رصدت "آبل" مليار دولار لمسلسلها الأول على شاشة التلفزة الشبكيّة، هو عشر حلقات تمثّل أفلاماً لسبيلبرغ تتالت منذ ثمانينات القرن العشرين، مع ملاحظة أن تلك الأفلام كانت دوماً ذائعة الشهرة والمكانة في السينما، مثل "ET"، و"لقاء عابر مع كائنات من النوع الثالث"، و"الحديقة الجوراسية" و"قائمة شندلر" و"إنقاذ المجنّد رايان" و"لينكولن" و"ذكاء اصطناعي- إيه آي" وتقرير الأقلية" وغيرها.  

وتجدر ملاحظة أنّ الترفيه البصري المعاصر بات أسير ملعب تلفزيون الويب الذي خطف دور التلفزيون (التقليدي والفضائي سويّة)، فصار هو تلفزيون القرن 21. وعبر صفقة "آبل"، تبدو شاشة تلفزيون الويب كأنها عازمة على استدراج السينما أيضاً إلى شباكها الرقمية الخفيّة. 

وفي المقلب الآخر من مشهديّة الصفقة عينها، هناك هزيمة مذهلة ومفاجئة لنجم ساطع في الترفيه البصري المعاصر، يتمثّل في الشركات المتألقة في السوشال ميديا، خصوصاً "فايسبوك". وفي لحظة تقتحم فيها تلك الشركات ملعب تلفزيون الويب تمهيداً للاستيلاء عليه، كما فعلت في مناحٍ إعلاميّة كثيرة، جاءت صفقة آبل- سبيلبرغ لتقلب الأمور في اتّجاه لم يكن متوقّعاً. 

دور التحرّش الجنسي؟
هناك تطوّر لم يكن في الحسبان حدث بعد الصفقة بقليل، وصبّ في مصلحتها تماماً. وتمثّل في المأزق الذي تعانية شركة "نيتفليكس" الشهيرة بعد فضيحة التحرّش الجنسي التي طاولت الممثل كيفن سبايسي، وهو الممثل المشهور للمسلسل الأول والأشهر لتلك الشركة: "هاوس أوف كاردز". وبفضل ذلك المسلسل وما يشبهه، حدث تحوّل في التلفزة المعاصرة، بل أوصل إلى أن تكون المسسلسلات والبرامج المنقولة عبر ألياف الانترنت، هي الشاشة التي تعتبرها عيون الجمهور الشبكي "تلفزيونها" في الزمن المعاصر.

وقبيل الصفقة ببرهة، أدرج "فايسبوك" التلفزة الرقميّة في صفحات جمهوره، ما يعني تحوّله لاعباً رئيسيّاً فيها، ما يمهّد لفرض ثقله الكبير على تلفزيون الويب الذي صار هو التلفزيون (بالمفهوم الواسع) في الزمن الحاضر. وقبل أن يحصد "فايسبوك" نتائج قفزته إلى عوالم التلفزة المنقولة عبر كابلات الانترنت، بادرت شركة "آبل" إلى خطوة يرجح أن تسير بالأمور في اتجاه معاكس تماماً. وقبل أن يرسخ "فايسبوك" قدمه ثقيلة الوطأة (لأنها مدعومة بقرابة مليار ونصف المليار شخص لا يتوقفون عن التواصل عبره)، وجهّت "آبل" ضربة موجعة، بل ربما قتلت دور "فايسبوك" تماماً.

وهناك فارق أساسي بين "فايسبوك" و"آبل"، يمكنه أن يضيء على التغيير الذي تحمله صفقة الأخيرة مع مخرج سينمائي من وزن سبيلبرغ. إذ يقتصر عمل "فايسبوك" على البرامج الرقميّة المتعلقة بالتواصل والاتصال عبر الانترنت وشبكات الاتصالات المتطوّرة. بمعنى ما، يشبه "فايسبوك" ما يكونه الضيف في "منزل" الأجهزة الإلكترونيّة، بمعنى أنه يعمل عبرها، ويصل إلى جمهوره بواسطتها.

كم من الجمهور يتصل بالسوشال ميديا عبر "ماك كومبيوتر" و"آي فون" و"آي باد"؟ سؤال يعرف القرّاء إجابته جيّداً، ويصلح مدخلاً لقراءة الخطوة الجريئة من "آبل" في مسار تلفزة الويب.

عودة إلى ستيف جوبز
كذلك يجدر التذكّر بأنّ "آبل" هي أساساً شركة عملاقة في صنع الأجهزة إلكترونيّة، بداية من كومبيوترات "ماك" بأنواعها (تذكير بأنها أول من صنع كومبيوتر مكتب)، ووصولاً إلى "آي باد" و"آي فون": أول الخليويات الذكيّة وربما أوسعها شهرة أيضاً. وفي تجربتها أنها تعمل في البرامج، بما فيها تلك المتصلة بالاتصال والتواصل. ربما كانت البداية مع مُشغّل الميديا الرقمي "آي بود"، ومروراً بالـ"آي باد" و"آي فون"، وليس انتهاء بـ"تلفزيون آبل".
وربما كان الأخير هو مصدر الوحي لصفقة "آبل" مع مخرج سينمائي من وزن سبيلبرغ. إذا كانت الأجهزة والأدوات هي التي تربط الناس والسوشال ميديا من جهة، والشركات التي تصنع مسلسلات التلفزة من الجهة الثانية، فلماذا لا يمسك صُنّاع الأجهزة بزمام الأمور بأن يصنعوا بأنفسهم برامج ينقلونها عبر أدواتهم وأجهزتهم، بدلاً من الاستمرار في وضعية الناقل والوسيط؟ ألم يكن ذلك أصلاً هو عين ما فعلته "نيتفليكس" التي انتقلت من نقل أشرطة الفيديو بتقنية التوجيه التدفقي، إلى صنع المسلسلات والبرامج التي تنقل عبر ذلك التدفق وألياف الانترنت؟

أكثر من ذلك، ألم يكن ذلك أيضاً هو ما فعلته قبل عقود شركة "سي إن إن" التي انتقلت من شبكة لنقل البث الإخباري المتلفز إلى المنازل، إلى صنع ذلك المحتوى الإعلامي (الذي يساوي الأخبار المتلفزة) بنفسها؟

على ذلك النحو، بدت "آبل" عازمة على اقتحام تلفزة الويب التي يشاهدها ملايين البشر عبر شاشاتها في أجهزة "آي فون" و"آي باد" وغيرها، عبر استعانتها بيد مقتدرة في صنع المحتوى البصري- الترفيهي.

إذاً، الأرجح أنّ يهزّ المخرج السينمائي المتألق ستيفن سبيلبرغ عوالم شاشات المرئي- المسموع كرّة اخرى، بل يقلب المعادلات السائدة حاضراً في المحتوى البصري على الإنترنت، بل حتى  قبل أن تستقر وتترسخ!

وللمرّة الأولى في ثورة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، يندمج صنع الأجهزة والأدوات التي تنقل المحتوى الشبكي المرئي- المسموع، مع صناعة ذلك المحتوى نفسه. ويرسم تحالف آبل- سبيلبرغ معادلة المستقبل في المشاهدة الرقميّة قوامها: صانع التقنية وشاشاتها هو أيضاً صانع المحتوى البصري الذي الذي تنقله التقنية وأجهزتها عبر الإنترنت. 

ولا أقل من القول بأن ذلك انقلاب أو ثورة، لأن المعادلة بين التقنية والمحتوى الشبكي- البصري هي عكس ما يرسمه تحالف آبل- سبيلبرغ الذي يلوّح بالإطاحة بمعادلات الحاضر فيما هي قيد التبلوّر!  

ولوهلة، بدت تلفزة الويب كأنها تسير وفق مسار استهلته "نيتفليكس" التي قذفت شركات التلفزة التقليدية والفضائيّة أشواطاً إلى الوراء. هناك شركات عملاقة دخلت تلفزة الويب، لتنافس "نيتفليكس" على أرض مهدّتها الأخيرة بنفسها. ومن النماذج على ذلك، يأتي ما أعلنته أخيراً شركة "آمازون. كوم" المتخصصة في التجارة الالكترونيّة للمحتوى الرقمي- البصري، وسعي "فايسبوك" إلى جعله جزءاً مما يتناقله الجمهور عبر السوشال ميديا.

وكذلك يتوضح الموقع المكين لـ"نيتفليكس" في اعتزامها التوسع بميزانيتها في صنع المحتوى إلى 8 مليارات دولار في 2018، بالترافق مع رفع اشتراكها الشهري لجمهور بدت واثقة من تملكها خيالاته وعيونه وشاشاته.

في تلك اللحظة بالذات، كان لـ"آبل" رأي آخر، وكان لسبيلبرغ رأي آخر. وجاء تحالفهما غير المتوقع ملوّحاً بإنهاء معادلة "نيتفليكس"، بل رميها إلى غياهب الماضي.

إذ بدت "آبل" كأنها استعادت شجاعة المغامرة التي بثها الراحل ستيف جوبز في ثنايا تجربتها، عبر اعتزامها صنع المحتوى الذي يشاهده جمهور أدواتها التقنيّة، خصوصاً الخليوي الذكي "آي فون". ربما يذكر ذلك بأنها كانت سبّاقة في الدمج بين صنع الأجهزة الإلكترونيّة الذكيّة من جهة، والتطبيقات التي توضع عليها، عبر تجربة مخزنها الشبكي الشهير "آي تيونز". وعزّزت الأرقام تلك الجرأة، إذ أفادت بأن نصف محتوى التلفزيون (هو قلب ما تستند إليه معادلة "نيتفليكس") سيصل الجمهور في 2020 عبر الهواتف الذكيّة.