إيران تفاوض العالم.. بقاسم سليماني

وليد بركسية
الثلاثاء   2017/11/21
للمرة الأولى منذ أحداث الربيع العربي، وما تبعها من توسع في القوة الإيرانية الخارجية والتي تعاظمت بشكل واضح بعد الاتفاق النووي الإيراني العام 2015، خرج قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، من إطار الشخصية الغامضة التي تتسرب صورها عبر مواقع التواصل، إلى كونه الحدث نفسه، بعد اختياره من قبل طهران لإعلان نهاية "داعش"، إثر معركة البوكمال في أقصى شرق سوريا عند الحدود العراقية.


وسليماني، الذي ظهر في صور مسربة، كقائد لميليشيات إيران في معارك حلب وكركوك، على هامش الأحداث الميدانية نفسها، وأخيراً في البوكمال، بات هو الحدث في حد ذاته، وخرج من الصورة ليزعم الإيرانيون أنه بات هو الصورة، بوصفه القيادي الذي أنجز المعركة ضد الإرهاب، ما يعني إعادة تصويب صورته وإخراجه من التصنيف الدولي له بعد إدراجه في لوائح الإرهاب. 

ولم يكن توجيه أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، تحية شكر لسليماني لدوره في هزيمة الإرهاب، عبثياً، بقدر ما كان مفاجئاً، وتزامن مع شكر مماثل من طرف الرئيس الإيراني حسن روحاني، فيما تناقلت المواقع الممانعة والإيرانية رسالة من سليماني وجهها مباشرة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، لإبلاغه رسمياً بانتهاء "داعش".

وبات واضحاً أن السلطة في إيران تتوسع في تقديم شخصية بارزة جديدة تتجاوز التقديم التقليدي السابق للسلطة في البلاد، والمكون من المرشد الأعلى والرئاسة إلى جانب الحرس الثوري نفسه. وهنا يطرح اسم سليماني كقوة جديدة متصلة ومنفصلة عن الحرس الثوري في وقت واحد. فرغم أن "فيلق القدس" في الأساس، جزء من الحرس الثوري، إلا أن تقديمه عبر شخصية سليماني، يتعدى صورة ميليشيا نافذة تشرف على حروب إيران بالوكالة في الشرق الأوسط، للعب دور دعائي يظهر الفيلق وقائده على أنه القوة الإيرانية المحاربة للإرهاب.

والحال أن سردية محاربة الإرهاب كانت شديدة الفعالية في حالة الحرب السورية، حيث أعاد نظام الأسد تقديم أوراقه للمجتمع الدولي بادعاءاته المتكررة أنه "القوة الشرعية التي تحارب الإرهاب الإسلامي" في البلاد. وهو ما تكرر في خطاب حلفاء الأسد، الروس والإيرانيين مع زخم أكبر في طهران مقارنة بموسكو، كون القيادة الإيرانية تحاول الانفتاح على العالم من جديد بعد سنوات من العزلة، إثر الاتفاق النووي الإيراني الذي رفع العقوبات الاقتصادية النووية عن البلاد. وبذلك، يصبح وجود سليماني هنا جوهرياً، لأن أي معركة بين الخير والشر تحتاج إلى بطل يتم ترميز السياق كله بصورته المنتصرة.

اللافت أن هذه الرؤية تتناقض بشكل مدهش مع إدراج اسم سليماني في لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية منذ زمن طويل. وتراهن طهران، ربما، على تقديم سليماني بوصفه قائداً مكافحاً للإرهاب، وليس إرهابياً. وإذا نجحت المساعي الإيرانية، فإن ذلك يعني استبدال صورة النظام الإيراني ككل، من بوابة سليماني، على الأقل لدى الأوروبيين الذين يبدون أكثر انفتاحاً على ايران، بدءاً من صفقة الملف النووي، وصولاً الى احتضان محاربي "داعش". 

ويرى كثير من المحللين والمسؤولين الغربيين، ومن بينهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايك بومبيو، أن انتشار صور سليماني كواجهة دعائية للميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط، دليل على أن دول المنطقة نفسها، مثل سوريا والعراق، تعمل بأوامر مباشرة من طهران عبر سليماني الذي لا يمثل قيادياً عسكرياً فحسب، بل هو الدبلوماسي الذي تثق فيه طهران وتصدّره لمحيطها.

وتجدر الإشارة إلى ان صعود أسهم سليماني قد يدفع به إلى تبني طموحات سياسية تدمج صورته الجديدة الحالية بأضلاع السلطة التقليدية، لتصبح السلطة الإيرانية مكونة من أضلاع أربعة: المرشد، والرئاسة، والحرس الثوري، وفرع "مكافحة الإرهاب" ممثَّلاً فيه سليماني وفق الصورة الايرانية الجديدة.