حزورة الزعيم الصادم

روجيه عوطة
الخميس   2017/11/16
دموع الزعيم من بين الحزازير الفرعية للحزورة الكبرى
إذاً، أراد سعد الحريري ان يحدث صدمةً. وهذه الصدمة، التي وصفها بالإيجابية، إضافة إلى أنها تذكر بمنطق ميشال سماحة الذي اراد هو ايضاً أن يحدث صدمة، ارهابية، الا انها بدت، ومنذ استقالة مزاولها حتى ظهوره في مقابلته مساء الأحد، ناجعة. وقد كان أول المتلقين لها هو الحريري نفسه، في حين تلاوته لبيان استقالته على الاقل، قبل أن يتلقاها المقيمون في لبنان، ويشرعوا في محاولة استيعابها، قبل الوقوف على مستورها. 
أخذ الاستيعاب بغاية كشف المستور اشكالاً عديدة، تدور بأغلبها حول معاينة الزعيم الصادم، والسعي الى الحصول على علاماتٍ تتعلق بخطوته الملغزة، وذلك، من خلال إطلالاته البصرية. وتنقسم هذه الإطلالات الى صورية، تتكون من الصور التي نشرها حسابه في "تويتر" بعد الاستقالة، والى فيديوية، تتضمن مقابلته مع بولا يعقوبيان على شاشة تلفزيون "المستقبل". 

شارك المعاينون، ممانعين وغير ممانعين، في قلب إطلالات الزعيم الصادم الى ما يشبه السبل التي يظنون انها ستؤدي بهم الى فك ما جعلوه حزورة، يجهدون في الإجابة على استفهامها الأساس: هل هو معتقل، أم مستقيل؟ لكل فريق من المعاينين جوابه، الذي ينطلق منها نحو الإطلالات لحشد الإشارات فيها، وقد تمحورت هذه الاشارات حول أمرين: ملبس الزعيم الصادم، ببذلته وربطة عنقه وساعة يده، ووجهه، بملامحه وصوته. 

فالبذلة، بحسب معايني الصور، غير مكوية، كما أن ربطة العنق هي ذاتها. أما ساعة اليد، فقد اختفت من المقابلة. وجد الفريق الممانع أن هذه الحالة الارتدائية دليل على اعتقال الحريري، أما الفريق اللاممانع، فوجد فيها وضعاً عادياً لسياسي منهمك.

وبالاضافة الى التحديق في الملبس لإزالة اللُبس، علق المعاينون على طلعة الحريري، وطبعاً، تفرقوا في تقييم معناها. فهو مرهق وحزين على اثر اعتقاله، بالنسبة الى الممانعين، لكنه بالنسبة الى اللاممانعين، ساكن ورزين على الرغم من تحمله مسؤولية البلاد. جميع هؤلاء، وعلى اثر صدمتهم، ثم قلة معلوماتهم (حتى ولو كانوا وسائل إعلامية، أو بالأجرى تلفزيون "الجديد" في هذا التقرير)، راحوا يقرأون الملبس والطلعة، ويوفرون لها مضامين، هي، وفي بعض الأحيان، مضحكة نتيجة المبالغة فيها. 

وتزداد الحزورة صعوبة. إذ أنها، من ناحية، تقوي معاينة طلعة الحريري، ومن ناحية أخرى، تحرفها عنها، وتنهيها. فخلال مقابلته مع يعقوبيان، وفي لحظة حديثه عن "لبنان"، وعن "وضعه في عيوننا"، حبس الزعيم الصادم دموعه، وكادت تنهمر منه. عندها، كان المشهد على وشك أن يضحى درامياً، لكن المذيعة استدركته. ومرة أخرى، انقسم المعاينون بين مَن يفسر الدمع علامة على الإنهيار، وبين مَن يفسرها علامة على حب الحريري للبلاد. 

إلا أنه، وفي لحظة ثانية، انحرفت المعاينة عن طلعة الحريري إلى ما وراء يعقوبيان، و"الرجل الواقف خلفها" على ما تقول العبارة الرائجة، وبدأ المعاينون بالاستفهام: "من هو؟ وماذا يحمل بيده؟".

بعضهم أكثر في الخطل، متحدثاً عن محاولة "تهديد الحريري"، بل "إغتياله" على الهواء. وبعضهم كان أقرب إلى شرح يعقوبيان نفسه، بحيث أن "الرجل الواقف خلفها" هو أحد مساعدي الحريري، وكان يريد إخباره بشيء، غير أن الأخير أومأ له بأن ينصرف. خطأ تقني، أدخل مهجولاً في كادر المقابلة، وأنهى التركيز على الزعيم الصادم، الذي، وبدوره، ختم "صدمته" بالدعوة  إلى التمسك بالتسوية والنأي بالنفس. كما لو أن معاينة ما وراء يعقوبيان هو عقب الصدمة، ومشهدها.

فعلياً، منذ إحداث سعد الحريري للصدمة، حتى مقابلته مساء الأحد، بدا المعاينون، وعلى رأسهم الإعلام المحلي، وكأنهم يحلّون حزورة بلا إجابة، ما جعل كل الإجابات صالحة لها. وعليه، حضر التنافس فيها، التنافس في المبالغة، والتنافس في الهذر، والتنافس في الوصول إلى المعلومات من دون السير في أي طريق نحوها. وفي كل الأحوال، وعندما تصير صدمة الزعيم موضوع تفسير في برنامج من قبيل "لهون وبس"،  فهذا يعني أنها، في محصلتها، لم تكن، ولم تخلف كدمة، بل كانت وأنتجت BUZZ.