ما بعد الاتفاق النووي.. أسلحة ايران المؤلمة

نذير رضا
الخميس   2017/10/05
الجدل الواسع بشأن الاتفاق النووي الايراني، والتهديد بإلغائه، لا ينتقص من النقاش حول نتائجه. ففي مقابل الادارة السياسية التي تدرس المواجهة مع ايران للتخلي عنه، تنكب الاجهزة الامنية لدراسة تداعياته، وتوصلت الى أن الغاء الاتفاق سيفتح الباب امام حرب جديدة، بأسلحة غير تقليدية، تتمثل في "حرب الكترونية" هدأت منذ توقيعه في 2015. 
قد تكون التداعيات المحتملة المعلن عنها، جزءاً من خطاب ترهيبي يُرفع بوجه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أو جزءاً من مخرج للإبقاء على الاتفاق قائماً.. لكنه في الواقع يتضمن حيزاً من الواقعية، تثبته الوقائع العملانية، حين كشفت مجلة "فورين بوليسي" عن "راحة ملحوظة" تمتعت بها البنوك والوكالات الحكومية الأميركية على مدى العامين الماضيين، "من النشاط السيبراني الإيراني الخبيث"، منذ التوصل الى الاتفاق. 

فالحرب بين الولايات المتحدة وايران، مستعرة على جبهات باردة. ذلك ان الحرب في العصر الحديث، خرجت من صورتها التقليدية. لا ضحايا ولا دماء، لكنها حرب مؤلمة. ويعود ذلك الى ان الحرب السيبرانية، لا تطال مرافق حيوية ملحوظة، بقدر ما تتسبب بخسائر، وتقوض نشاط الشركات، وهي معركة تستدعي التكتم عنها، وعن خسائرها، منعاً لزعزعة الثقة بالقطاعات. 

للمرة الاولى، يتحدث الاميركيون عن نشاط سيبراني يهدد كيانات اقتصادية، ومرافق حكومية. واظبت طهران خلال السنوات العشر الاخيرة على الاعلان عن خسائر كبيرة طالت منشآتها النووية، اثر هجمات سيبرية. ويحذر خبراء أميركيون من أن تهديدة ترامب بالابتعاد عن الاتفاق النووي، "قد يدفع ايران لاستئناف هجماتها ضد أهداف غربية إذا كان ترامب يتابع فعلا تهديده". ويتحدث هؤلاء عن احتمالات بعواقب تترتب على القرار المتوقع، وخصوصاً في المجال السيبراني، والتي تنطوي على المصالح المالية والشركات الأميركية.

وفي حين ينتظر العالم قرار ترامب في نهاية المطاف، فإن شركات الأمن السيبراني تراقب التغيير المحتمل في النشاط من إيران، التي "نضجت قدراتها السيبرانية الهجومية على مدى السنوات القليلة الماضية من خلال الكثير من الممارسة في الفناء الخلفي الإقليمي".

قبل التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو 2015، كانت الهجمات الإلكترونية بين إيران والغرب ناشطة، وأعلن عنها باكتشاف "ستوكسنيت"، وهو سلاح قرصنة سري للغاية يقال إنه طورته الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي كان يستخدم لتخريب مصنع ناتانز لتخصيب اليورانيوم في إيران.

وردا على هذا الهجوم، يُقال أن القراصنة الإيرانيين نفذوا موجة من الهجمات في عامي 2011 و 2012 استهدفت أكثر من 46 شركة مالية كبرى والمؤسسات والشركات المالية. واتهمت وزارة العدل سبعة قراصنة إيرانيين بتهمة ارتكاب هجمات منسقة شملت محاولة لإغلاق سد نيويورك.

واشتملت الأنشطة السيبرانية الإيرانية الأخرى المشتبه فيها على التجسس، ومحاولة الوصول الى شركات الدفاع والفضاء التي تحاول الوصول إلى التكنولوجيات التي حرموا منها بسبب العقوبات.

وبعد الاتفاق النووي، تباطأت الهجمات الإلكترونية على الأهداف الغربية، وفقا لعدة خبراء في مجال الأمن السيبراني، وتحولت الى مكان آخر. فقد كشف تقرير صادر عن شركة "فيريي" في سبتمبر / ايلول الماضي، عن مجموعة جديدة من القرصنة يعتقد أنها ترعاها الحكومة الإيرانية، تسمى APT33، والتي تستهدف منظمات في قطاعي الطيران والطاقة في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية.

ويوافق خبراء الأمن السيبراني على أنه إذا ما رفعت الولايات المتحدة الاتفاق النووي واستؤنفت العقوبات، فمن المحتمل أن تسعى إيران إلى إحداث مستوى معادل من الألم، بحسب ما ذكرت "فورين بوليسي". وتضيف: "وفي رد على العقوبات الاقتصادية الحادة، استهدفت إيران في السابق الأنظمة المالية الأميركية. يمكن أن يكون هذا هو الطريق الذي يختارون اتخاذه مرة أخرى". 

السلاح الايراني الجديد، يمثل نقلة في الحرب بين طهران وخصومها. الاتفاق النووي أرقد الحرب السيبرانية، لكنها لم يوقفها. وهو ما يفسر التحذيرات الاميركية المتواصلة، وخصوصاً من أنصار الاتفاق النووي، إن "إلغاء الاتفاق يشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي في حد ذاته".