إعلام إسرائيل يحرّض على المصالحة: ستنهار.. ولا داعي لعرقلتها!

أدهم مناصرة
الأربعاء   2017/10/18
بينما يكمل توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين حركتي "فتح" و"حماس" برعاية مصرية اسبوعه الأول، انتقل الخطاب الإعلامي للحكومة الإسرائيلية إلى محاولة غير مباشرة لتفجير المصالحة الفلسطينية التي ما زالت في بداية الطريق. وذلك عبر الإعلان، الثلاثاء، عن شروط تعجيزية، تجلّت في رفض التفاوض مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم حركة "حماس"، في حال لم تتخل الأخيرة عن سلاحها وعمّا سمّته "العنف"، ثم يجب أن تعلن اعترافها بإسرائيل، وتنهي علاقتها مع إيران، وتعيد الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى "القسام"، لتفرض السلطة سيطرتها الأمنية الكاملة في غزة.
وسلّط الإعلام الإسرائيلي الضوء على هذه الإشتراطات الستة لحكومة نيتنياهو، وما اعقبها من تهديد أصدره الجيش الإسرائيلي مفاده "أن أي قذيفة أو طلقة تُطلق من قطاع غزة من الآن وصاعداً؛ تتحمل مسؤوليتها السلطة الفلسطينية، لا حركة حماس وحدها". وردت الرئاسة الفلسطينية، ومعها حكومة التوافق، بالعزم على مواصلة جهود انهاء الانقسام، وإن المصالحة مصلحة فلسطينية عُليا.

صحيفة "اسرائيل اليوم" حاولت أن تدقّ إسفيناً بين الفرقاء الفلسطينيين، بعنوان تصدر صفحتها الأولى، الأربعاء: "هدف المصالحة: سيطرة حماس على منظمة التحرير الفلسطينية". ثم نقلت عن "مصادر في حركة فتح" قولها "إن الحركة ستمنع دمج حركة حماس في مؤسسات منظمة التحرير".

بينما ارتأت صحيفة "معاريف" أن تُصدّر صفحتها الأولى، بعنوان يشير إلى أن جهات من حركتي "فتح" و"حماس" تعترف بوجود صعوبات في تطبيق المصالحة.

وعملت "معاريف" في وقت سابق على تسليط الضوء على الشروط الإسرائيلية حيال المصالحة بين فتح وحماس، وذلك من خلال نقلها عن "مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة" قولها "إن أي مصالحة فلسطينية يجب أن تشمل الالتزام بالاتفاقيات والوفاء بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح حماس".

ثم ذكرت الصحيفة ذاتها في عددها اللاحق، أن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، طالب باتخاذ خطوات مشددة ضد اتفاق المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، مُعتبراً "أن موقفاً إسرائيلياً ضعيفاً سيشجع المجتمع الدولي على إقامة علاقات مع منظمات إرهابية"، بحسب تعبيره.

والواقع، أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان تقدّم جَدّي في المصالحة الفلسطينية، اتسمت متابعات الاعلام الإسرائيلي للمصالحة بالمراقبة أحياناً، والتشكيك في أحيان كثيرة بحتمية إنهاء الإنقسام الفلسطيني- فعلياً وواقعياً- لا سيما أن الحديث يدور حتى اللحظة عن "خطوة خطوة" كأسلوب لحل ملفات المصالحة التي لم يلمس المواطن الفلسطيني أي أثر لها في حياته إلى الآن.

ومما رصدته "المدن" على مدى أسبوع كامل إثر توقيع المصالحة، أن الخطاب الاعلامي للحكومة الإسرائيلية شابه التغيير والإرتباك في آن؛ ذلك أن طلباً أميركياً وصل تل أبيب، يدعوها فيه إلى عدم تخريب المصالحة (علّها تسهم في تمرير حل الصراع الذي يعكف الرئيس دونالد ترامب على بلورته)، إضافة إلى مباركة أطراف دولية لهذه المصالحة. 

فبعدما تحدثت الحكومة الإسرائيلية عن أن المصالحة لا تعنيها، لكنها ستتعامل مع السلطة إذا ما تسلمت الأمور في غزة، عادت لاحقاً لتتحدث عن اشتراطاتها التعجيزية، علّها تُفجر المصالحة بطريقة أو بأخرى، وتوصل رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن "لا تصفقوا كثيراً للمصالحة الفلسطينية، فهناك خطوط حمر اسرائيلية". ولعلّ اليمين الإسرائيلي الحاكم يخشى أن يؤدي اتفاق المصالحة إلى نهاية حجته بعدم التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين لأنهم منقسمون، فتصبح حكومة نيتنياهو حينئذ امام استحقاق "خطة ترامب المرتقبة" والتي ما زالت اسرائيل تنتظرها بحذر رغم انها ستكون دون الطموح الفلسطيني في جميع الأحوال.

صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية خصصت خلال الأيام الماضية مقالاً تحليلياً للمحلل العسكري، اليكس فيشمان، قلل فيه من فرص نجاح المصالحة الفلسطينية، بل وتوقع انهيار اتفاق فتح-حماس خلال 3 أو 4 أشهر لانه، في رأي الكاتب، سيصطدم بملفات صعبة وعلى رأسها مشكلة الأمن، حيث لن تسمح "حماس"، وفقاً للصحيفة، بالمساس بذراعها العسكري "كتائب القسام".

وتُظهر طريقة تتبع الاعلام الإسرائيلي لأخبار المصالحة وتعليقات المسؤولين الإسرائيليين المتشددة عليها، كما لو أن إسرائيل تتعاطى مع الاتفاق على اساس أنه "حرامٌ حتى تبذير طاقة في محاولات تعطيله، ناهيك عن أن الإدارة الأميركية ومصر طلبتا من إسرائيل عدم التدخل"، بحسب "يديعوت احرنوت".

وعلى الرغم من الحُكم المُسبق بفشل اتفاق المصالحة الفلسطينية، في معظم الإعلام الإسرائيلي، فثمة إقرار في الوقت ذاته بأن الاتفاق أظهر تحولاً معيناً في استعداد "حماس" للتخلي عن احتكارها المُطلق للسلاح في القطاع، غير أن هذا التنازل من حماس سيكون مضبوطاً ونسبياً فقط.

والواقع أن الإعلام الإسرائيلي يتوحد في طرق الزوايا نفسها التي تتذرع بها الطبقة السياسية الحاكمة في اسرائيل، خصوصاً في ما ما يتعلق بأمن اسرائيل وسلاح المقاومة. فذهب مراسل القناة الإسرائيلية الثانية، اوهاد بن حمو، إلى إجراء مقابلة مع القيادي في حركة حماس، الشيخ حسن يوسف، في قلب الضفة الغربية، وقال فيها يوسف: "من السابق لأوانه الحديث عن وقف العمليات في الضفة؛ ذلك أن الاتفاق ما زال في مراحله الأولى وهناك الكثير من الترتيبات التي لم تستكمل بعد، ولم تُشكل حكومة وحدة حتى الآن".

وبدت صحيفة "هآرتس" ذات المرجعية اليسارية، هادئة في متابعتها لقضية المصالحة الفلسطينية، نكاية باليمين المسيطر في اسرائيل، علّها تضعف حجته بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معه. وفيما قالت الصحيفة إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) ناقش سياسته المقبلة تجاه المصالحة الفلسطينية، يظهر أن الخلافات في صفوف اليمين الحاكم عُمقها شكلي يتعلق بكيفية التصرف مع السلطة الفلسطينية بعد اتفاق المصالحة، إذ يتنفق أقطابه على عدم الثقة في أي طرف فلسطيني والبحث عن أي حجة للتنصل من خطة ترامب المُنتظرة لحل الصراع.

بدوره، ذكر موقع "واللّا" الإلكتروني، أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تبحث في هوية مسؤول عمليات حماس في الضفة الغربية بعد اتفاق المصالحة الفلسطينية، وذلك في ظل أنباء تقول إن القيادي في حماس، صالح العاروري، المطلوب الاول في إسرائيل لإشرافه على عمليات ضد اهداف اسرائيلية في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، قد تفرّغ الآن لموقعه كنائب لرئيس المكتب السياسي للحركة.

وفلسطينياًن ما زال الإعلام التابع للفصائل والأحزاب ملتزماً بلهجة تصالحية غير مسبوقة، بينما ذهبت وسائل الإعلام المستقلة إلى التناغم نفسه، والذي يُحاكي دروها كمساعد لإنجاح المصالحة. بَيدَ أن هذا الإعلام "الخاص" تمتع في الوقت ذاته بحرية أكبر في مواكبة تفاصيل الحلول التي تنتظر ملفات المصالحة الملحة، لا سيما ملف موظفي غزة، ومصير العقوبات التي اتخذها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضد غزة، قبل أشهر من اتفاق المصالحة، من دون أن يحصل على إجابات واضحة ودقيقة من المسؤولين حيال ذلك.