اغتيال ترامب.. في "سي إن إن"

بتول خليل
الجمعة   2017/01/20
"سي إن إن" بدت وكأنها اختارت لنفسها أن تكون رافعة للتصعيد الخطابي ضد ترامب بهدف اغتياله معنوياً وإعلامياً (غيتي)
ماذا لو اغتيل دونالد ترامب أثناء تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة؟ وإلى من ستؤول السلطة في هذه الحال؟ أسئلة طرحتها قناة "سي إن إن" الأميركية في تقريرٍ يستعرض البديل في الرئاسة و التبديلات في الإدارة في حال اغتيال الرئيس ونائبه وكبار المسؤولين في الكونغرس، والتي ستُحال وفقاً للدستور الأميركي إلى رئيس مجلس النواب والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ. في حين قدّم المحلل السياسي جون فورتي إجابة افتراضية لتساؤلات للقناة مفادها إنه "أثناء التنصيب سيكون هناك خطان للتوارث، الأول إدارة أوباما، التي لا تزال في السلطة، والثاني لا يظهر حتى يتم تنصيب دونالد ترامب، ويوافق مجلس الشيوخ على تعيينه".


التقرير الذي وصفه كثيرون بـ"المفاجأة" بعدما توقّع مراقبون أن تقوم "سي إن إن" بالإنكفاء ولجم نفسها بامتناعها عن الرد على ترامب الذي كان قد وصفها بـ"منصة الأخبار الكاذبة"، لم يتوقع أحد أن يأتي ردها على هذا المستوى العالي، ما يشي بأن خطوتها التصعيدية هذه ضد ترامب قد تُعتبر بمثابة فتح جبهة للتحريض والتمرد في بداية عهد الرئيس الذي بدا أن القناة تُفشي عن أمنيتها برؤيته ميتاً على أن تراه يستلم مقاليد الرئاسة والسلطة.


"سي إن إن" بدت وكأنها اختارت لنفسها أن تكون رافعة للتصعيد الخطابي ضد ترامب بهدف اغتياله معنوياً وإعلامياً قبل تسلمه مفتاح البيت الأبيض، وذلك بموازاة ما حملته تغطيتها لتحضيرات مراسم تنصيبه التي عكست مؤشراتها أنها قرعت طبول الحرب المفتوحة ضد ترامب وإدارته الجديدة، ليس على الصعيد الإعلامي فحسب، إنما بأداء متكامل يدل بمجموع مؤشراته بأنه دعوة ممنهجة تهدف لفتح خط المقاطعة والتمرّد ورفض كل ما قد يأتي به خصمها الرئيس اللدود.

ما توّجت به "سي إن إن" بثها مؤخراً لناحية طرحها أسئلة عن فرضية سيناريو اغتيال ترامب، حتماً لم يأت من فراغ، إذ أجمع مراقبون ومتابعون وعارفون بشأن صناعة السياسة والإعلام في الولايات المتحدة بأن سؤالاً تصعيدياً خطيراً كهذا لم تكن القناة تمتلك الجرأة لطرحه ما لم يكن قد تمّ بالتنسيق مع جهات حزبية وشخصيات نافذة في السلطة وتحديداً في جهازي "سي آي ايه" و"اف بي آي"، ممن عبروا صراحة أثناء حملة ترامب الانتخابية بأنهم يرون في وصوله للرئاسة الأميركية تهديداً حقيقياً للقيم الإنسانية والديموقراطية التي قامت عليها الولايات المتحدة، وصولاً إلى إمكانية تغيير هويتها بل حتى موقعها ووجودها على خارطة العالم، ما يجعل تقدير "سي إن إن" يحمل تهديداً مبطناً لترامب، بالاستعداد لاغتياله ولو معنوياً وشنّ حرب لا هوادة فيها عليه، في حال ذهابه بعيداً بالوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية، خصوصاً لناحية الإجراءات العنصرية المتجددة والسياسات الاقتصادية التي يراها البعض "هدّامة" وتخريب علاقات الولايات المتحدة الدولية، واقترابه من بوتين الذي يعتبره الكثيرون الخطر الأول الذي يهدد زعامة الولايات المتحدة على العالم.

وفي حين يبدو أن "سي إن إن" قررت أن تتصدر المواجهة باعتبارها رأس حربة لكيفية التعامل مع ترامب، عارضة نفسها كقاطرة  تُطلق صفارتها لتدعو الاعلام الأميركي لللحاق بها، قدمت نموذجاً للإجابات حول السؤال الذي شغل الاعلام الأميركي في الفترة الأخيرة، والذي مفاده "كيف نغطّي ترامب؟". فالإعلام الذي أصيب بالذهول عقب إعلان فوز ترامب، يُرتّب أوراقه اليوم بعدما استفاق من هول الصدمة وما تبعه من جلده لذاته، لتجديد معاركه مع ترامب، الذي يُتوقع وفقاً للعديد من المؤشرات والتطورات الأخيرة أن تكون ضارية وشرسة انطلاقاً من الرفض المطلق له كرئيس، مروراً بمحاولات فضحه وتعريته والتصويب على عشوائية قراراته وضعف خبرته السياسية وأسلوب تعاطيه من خلالها مع الداخل والخارج، وصولاً إلى مساعي عزله إعلامياً وسياسياً وإسقاطه شعبياً. وليس تقرير "سي إن إن" في هذا الإطار سوى جزء من مشهد أوسع يعكس مواقف شريحة واسعة من الأميركيين ما تزال تعيش تحت وطأة الفكرة من أن يكون رجل مثل دونالد ترامب رئيساً، مع ما يثير من أسئلة وجودية حول مصير ومستقبل الولايات المتحدة الأميركية.

وضمن مسارٍ تتلاقى فيه الأفكار والإشارات بثّت قناة "بي بي اس نيوز" الأميركية عشية حفل تنصيب ترامب وثائقياً حول اغتيال ابراهام لينكولين، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، والذي كان اغتياله الأول من نوعه في التاريخ الأميركي. كما كان من اللافت في الساعات الأخيرة التي سبقت حفل تنصيب دونالد ترامب، قيام العديد من وسائل الإعلام الأميركية بالتذكير بعملية اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي.

محاربة ترامب وحصاره والتصويب عليه لا تنحصر بجانب واحد، بل تمتد من على منابر الإعلام والسياسة وأروقة الأجهزة الأمنية والشوارع والساحات، حيث سيكون للشعب طريقته في التعبير والاعتراض على حكم ترامب ووضع العراقيل والتحديات في طريقه. ويُعتبر ما كشفه الإعلام مؤخراً عن مستمسكات بيد الروس ضد ترامب، وما كشفته وكالة المخابرات المركزية في تقريرها الأخير عن تدخل روسي في الانتخابات ومحاولات لتقويض العملية الديموقراطية وزعزعة ثقة الأميركيين بها، مروراً بقرار مقاطعة ثلث النواب الديموقراطيين حفل التنصيب، وصولاً إلى عرقلة الديموقراطيون عمل وزراء إدارة ترامب الذين لن يحصل سوى قلة منهم اليوم على تثبيت تعيينهم، فيما كان الجمهوريون يأملون في تثبيت سبعة منهم من اليوم الأول. ما يجعل هذه الوقائع بمثابة  شرارات لحرائق كبرى قد تنفجر في وجه ترامب لاحقاً.

المسار الصدامي في وجه ترامب قبل تنصيبه، وصلت ذروته ضمن الكلام الذي حمله الرئيس باراك أوباما الخارج من البيت الابيض بشعبية متعاظمة، في مؤتمره الصحافي الأخير، والذي حمل رسائل عديدة وتهديدات مبطنة لترامب وإدارته القادمة، بعدما صرّح أوباما أنه لا ينوي التدخل في اللعبة السياسية، إلا أنه لن يسكت عن التجاوزات ولن يلزم الصمت حيال تجاوز بعض الخطوط الحمر، ما يجعل من قرار أوباما بتخفيف عقوبة تشيلسي مانينغ، الجندية السابقة في القوات الأميركية أمراً مفهوم الدوافع إذا ما نُظر إليه من زاوية نية أوباما إحراج ترامب وحشره بالزاوية وإبقاء علاقته بالروس تحت الضوء، إذ إن حدث الإفراج عن مانينغ وضع قضية مؤسس "ويكيليكس" جوليان أسانج (المتهم بأنه كان أداة بيد الروس، والذي لعب دوراً في إيصال ترامب للرئاسة) تحت المجهر، بعدما وعد الأخير بتسليم نفسه للولايات المتحدة شرط الإفراج عن مانينغ، التي سرّبت للموقع آلاف الوثائق العسكرية والأمنية السرية.

وفيما أعيدت قضية أسانج وإشكالياتها إلى دائرة الضوء في الولايات المتحدة، تتوجه الأنظار اليوم نحو ما يمكن أن يصدر عن ترامب في هذا الشأن، بعدما قطع أوباما عليه الطريق لمحاولة العفو عن أسانج المدين لترامب بما قدمه من خدمات كبرى من خلال موقع "ويكيليكس"، حيث استطاع أوباما أن يُظهر للأميركيين مدى الأذى الذي تسببه أسانج للأمن القومي الأميركي بعدما تحول أسانج عميلاً لروسيا الساعية لتقويض الديموقراطية الأميركية، والذي فصل أوباما قضيته عن مانينغ وإدوارد سنودن.

كل هذه المؤشرات تُنبىء بما ينتظر ترامب وإدارته في الفترة المقبلة، ما يجعل الأطراف الداخلية والخارجية التي تشخص بعينيها لسياسات ترامب ما بين الرافض والمهاجم والقلق والمتوجس والمنتظر الحذر. إذ يرى كثيرون أن شخصاً مثل ترامب لا يمكن التكهن بتصرفاته، بعدما تبين أنه رجل سهل الاستفزاز، ولا يمتع بالكفاءة السياسية والأخلاقية مع امتلاكه لشخصية نزقة تؤثر على رجاحة قراراته وأسلوب تعامله مع المنتقدين والصحافيين والمعارضين ووسائل الإعلام.