الإعلام التعبوي الإيراني يستلهم.. القذافي

الوليد خالد يحيى
الأحد   2017/01/15
"السلاح زينة الرجال"، قال مراسل "الطليعة" في لبنان، داعياً العشائر اللبنانية الشيعية للانضمام إلى "الحشد الشعبي"
أشهَر مراسل قناة الطليعة "العراقية"، عيسى طفيلي، مسدسه أمام الكاميرا، مردداً أنه "زينة الرجال"، وذلك في ختام تقرير بثته القناة، يوم الجمعة الفائت، من منطقة بعلبك الهرمل في البقاع اللبناني. 

وعرض التقرير مقابلات مع من قالوا انّهم يتحدثون باسم كبرى عشائر البقاع "الشيعية"، معلنين استعداد تلك العشائر للقتال في صفوف "الحشد الشعبي في العراق" للدفاع عن المقامات المقدسة، و"الجهاد على الأرض التي انطلقت منها شرارة المقاومة منذ الحسين عليه السلام" بحسب التقرير. 

قد يبدو التقرير وسلوك المراسل، خارجَين عن المألوف الاعلامي، حيث لم يسبق ان شُوهد مسدس في يد مراسل إعلامي، إلى جانب الميكروفون، باستثناء حالة واحدة ربّما، سُجّلت لمذيع الفضائية الليبية التابعة لنظام معمّر القذافي في آذار/مارس2011، وهو يحمل رشاشاً امام عدسة الكاميرا متوعداً بالقتال حتى آخر قطرة دم دفاعاً عن نظام العقيد الراحل.

ولعلّ المألوف من تجارب الحرب والتعبئة، في خضم احتدام المعارك في محيط مؤسسات النظام الليبي السابق حينها، وطبيعة ذلك النظام ومؤسساته الاعلامية المنحازة وسقوط شرعيتها الدولية، قد غيّبت عن المذيع الليبي، الانتقادات الاخلاقية، من دون انتفائها بالتأكيد، كما غيبت الاتهامات بالتحريض والقتل من قبل الهيئات الأمينة على قيم ومواثيق العمل الاعلامي، والهادفة الى ابقاء الاعلاميين خارج محاور الصراع.

وفي حالة مراسل قناة "الطليعة"، قد يستدعي الأمر الكثير من النظر الى طبيعة المؤسسة التي ينتمي اليها، ونوع المهمة الوظيفية التي يخدمها، في سياق الحرب الإقليمية الشاملة التي تخوضها إيران في المنطقة، وما تقتضيه من جهود تعبوية ذات طابع طائفي عقائدي، ليتضح مدى طغيان مألوفات الحرب مجدداً هذه المرّة، على مألوفات الإعلام. 

 فقناة "الطليعة" التابعة لما يُعرف باسم مليشيا "طليعة الخوراساني"، وهي الذراع العسكري "لحزب الطليعة الإسلامي"، لم تنفك يوماً عن مهامها التعبوية داخل العراق وخارجه، كذراع إعلامي لحزب ينتمي عضوياً للحرس الثوري الإيراني، وإن اتخذ من مدينة النجف العراقيّة مقراً مركزياً له.

وكما معظم المليشيات العراقية المسلحة، المنضوية ضمن "الحشد الشعبي العراقي"، يتبنّى حزب "الطليعة" خطاباً حربيّاً تعبوياً، يوظّف مسألة الدفاع عن الأضرحة والمزارات الشيعية، جاعلاً القتال من أجلها مهمة مقدسة. وبخلاف غيرها من المليشيات، التي تحاول إخفاء تبعيتها العضوية للحرس الثوري والمرشد الإيراني علي خامنئي، تجاهر "طليعة الخوراساني"، وكذلك "حركة النجباء"، بهذه التبعية، وتعلن بأدبياتها صراحة انضواءها تحت قيادة المرشد الايراني علي خامنئي، كما أنها تضع شعار الحرس الثوري الإيراني في راياتها. 

وتشدد تلك التنظيمات على طابعها "الإسلامي" الذي يلغي أي صفة محلّية لها، ويدلل ذلك على الدور المنوط بها من قبل قيادتها المركزية في طهران. 

"فطليعة الخوراساني"، على نهج ابي مسلم الخوراساني "القائد الاسلامي الذي قاد الحملة التي أطاحت حكم بني أميّة في الشام"، كما يحلو لمنتسبيها ان يرددوا في مسيراتهم التعبوية في شوارع بغداد، وهم يدعون للجهاد في سوريا "دفاعاً عن ضريح السيّدة زينب". 

بدأت مهمات "طليعة الخوراساني" في سوريا رسميّاً، أواخر كانون الأول/ديسمبر2014، بوصفه تنظيماً جهادياً إسلامياً يدافع عن المقدسات، موسّعاً خطابه التعبوي ليشمل "شيعة العالم". وفي هذا السيّاق تستنفر أذرعته الاعلامية للتسويق لما يخدم هذه المهام التعبوية. 

ويجزم المطلعون على طبيعة التنظيم، وارتباطاته بنظرائه من الإذرع العسكرية والسياسية التابعة لإيران في المنطقة والعالم، بأن التقرير الذي بثّته قناة "الطليعة" الناطقة باسمه، يدخل في سيّاق التعبئة الحربية العامة، التي تسعى إليها طهران في ظل هكذا ظرف صراعي مشتعل في المنطقة، لا سيما أن علاقات قديمة تربط "طليعة الخوراساني" و"حركة النجباء العراقية" وغيرها من المليشيات، بـ"حزب الله" اللبناني، ولطالما أقرّت بها قيادات مليشياوية عراقية. 

قد لا يكون ما ورد في تقرير قناة " الطليعة"، سوى رسالة إيرانية في زمن الحرب، بحسب كثيرين، لا تعني بالضرورة محتواها الحرفي، حيث لا يفتقر "الحشد الشعبي" في العراق إلى العنصر البشري ليقوم باستيراده من العشائر البقاعية في لبنان. إنما يذهب كثيرون إلى قراءتها وفق مضمون المشروع الإيراني، الرامي إلى إنشاء أجسام تنظيمية محلية، مشابهة "للحشد الشعبي" العراقي، من قلب البيئات العشائرية الشيعية اللبنانية هذه المرة، وهو ما كان قد لوّح به أمين عام "حزب الله"، في العام 2015، حينما دعا العشائر اللبنانية في منطقة البقاع، للنفير العام دفاعاً عن مناطقها ضد " التكفيريين".