أمن العاصفة: المنقذ والمتغيب

روجيه عوطة
السبت   2017/01/14
العنصر الأمني يتجاوز موقعه ويغدو المنقذ
ما أن يعصف الطقس الشتوي في البلاد، حتى تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تلك الصور، التي يظهر فيها عناصر من قوى الأمن، يجهدون في إعانة المواطنين العالقين في سياراتهم على الطرقات، وذلك، بتنظيم السير المزدحم تحت الأمطار، او بفتح مصارف المياه المنسدة بفعل السيول العرمة، او بإبعاد الثلوج بواسطة الأدوات الفردية المتوفرة، كالرفش مثلاً.

وعلى هذه الصور، تُسجل تعليقات من قبيل "شكراً يا وطن"، و"البلدية غائبة، والأمن حاضر"، و"الأمن يتحدى العاصفة"، و"تحية الى إنسانيتكم"، وغيرها من العبارات، التي تشير الى نشاط هؤلاء العناصر و"هجسهم" في تسهيل حركة اللبنانيين وتحقيق راحتهم في جو شديد الهبوب والتساقط.

يتحول عنصر الأمن في هذه الصور الى مخلصٍ، لا يبرز دوره سوى في وقت حرج، هو وقت العاصفة. وغالباً ما يبدو فيها وحيداً خلال تأدية فعله، الذي قد لا يتصل بوظيفته المباشرة، بل انه بمثابة طارئ عليه.

فهذا العنصر، وبحسبما تدل صورته عليه، كان عالقاً، وكبقية المواطنين، على الطريق، الا انه، وعلى عكسهم، أخذ مسؤولية مساعدتهم على عاتقه. بالتالي، وفي حين كانوا جالسين وراء مقاودهم، ولا قوة لهم او قدرة على الانتهاء من مشكلة الزحمة، او من مشكلة انقطاع مرورهم بسبب الثلج والمطر، يرون شخصاً يتقدم من بينهم، ويعمد الى معالجة اوضاعهم العويصة، وذلك، تحت انظارهم، وربما، على مسامعهم.

لا يعرفون من هو هذا الشخص، ولا يستدلون الى هويته سوى من بدلته، بحيث يلاحظون انه دركي، ونتيجة ذلك، يحملون هواتفهم، ويلتقطون بكاميراتها صوراً له، باعتباره المنقذ، الذي انتشلهم من مواقفهم الشاقة والجليدية.

تصيغ صورة المنقذ هذا معادلة جديدة بين المواطن والعنصر الأمني. فلما يكون الاول عالقاً في حالة الضيق والصقيع والتجمد، وعاجزاً عن تخطيها، ولو انه لم يحاول، يطلع الثاني من صفه، وينكشف أمامه، على مهمةٍ لا تمت لوظيفته بصلة. ومع ذلك، ينجزها على اكمل وجه. فلكي تستوي المعادلة، على المواطن ان يكون المتقاعس والخائر، ما يؤدي الى جلاء العنصر الأمني كمخلص له، وشرط وجوده على هذه الحال، ان يقوم بفعل لا يمارسه عادةً، ومع هذا، ينجح في تحقيقه.

المواطن لا يتجاوز موقعه، في السيارة او في عجزه. اما، العنصر الأمني فيتجاوز موقعه، ويغدو المنقذ، ومن سماته الأساس، انه الفرد، انه البطل، الذي ينتشل الجميع، او بالأحرى جماعته، من مغبات الشتاء، ويوصلها الى أمانها، ويبعد التهديد عنها.

ثمة هوليودية في صورة المنقذ طبعاً، لكن، ثمة افتراضاً خلفها ايضاً، ومفاده ان ما يقدم العنصر الأمني عليه هو فعل مفاجئ. فتحت المطر، وفي مهب الريح، وفوق الثلج، ولما كان الاتقاء من البرد هو الخيار الأمثل، يظهر ذلك العنصر كأنه يضحي بنفسه من اجل المواطنين، حامياً اياهم، ومسيراً حركتهم. وهذا، ما يباغتهم، لا سيما انهم لم يتوقعوا "مجيئه".

وراء صورته كمنقذ، تثبت صورة اخرى عنه، وهي صورته كمتغيب. ولا يمكن فصل الصورتين، بل إنهما ينتجان بعضهما البعض: كلما كان ذلك العنصر متغيباً، يحل كمنقذ، وكلما كان منقذاً، يعود متغيباً، فالاحتفاء به في لحظة محددة كمنقذ هو تكريس له كمتغيب على طول الوقت: يصبح العنصر الأمني مخلصاً بتجاوز تغيبه، وذلك، قبل ان يرجع اليه.

وعلى هذا النحو، ينتهي الخطر الشتائي، ويستقر الطقس على الصحو، فينتقل العنصر الأمني من صورته الفصلية الى صورته الأصلية، حيث يتجهز لعاصفة جديدة، هي، وبسبب كثرة مشاهدها المسجلة والمنشورة، شبيهة بالفيلم "الابوكاليبتي"، الذي يغيب بطله في آخره، فيكون غيابه علامة على شدة حضوره.