جزيرتا تيران والعصافير مصريتان.. بفضل تحقيق صحافي

أحمد ندا
الأحد   2016/08/28
تزامن الاستدلال مع الإفراج عن عمرو بدر المتهم بـ"نشر اخبار كاذبة" حول قضية الجزيرتين
حكمت المحكمة الإدارية العليا المصرية بقبول طلب رد محكمة الطعن على بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مستندة، في حيثيات الحكم الى "ما نُشر في جريدة المقال عن زيارة اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والتشريعية، وهو أحد الخصوم في هذه الدعوى، في ذات يوم النطق بالحكم، ثم مقابلته لرئيس المجلس والأمين العام للمجلس، ما يثير التساؤل عن أسباب الزيارة، إلا استعجال الفصل في طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه".
ولعل هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها حكم قضائي إلى جهد صحافي كمرجع في أسباب حكمه. وتقول الصحافية رنا ممدوح، معدة التحقيق، لـ"المدن": "إن المحكمة استدلت بما نشر في جريدة المقال لأنه اعتمد على معلومات وتقصي وراء الحقائق، لا مجرد تخمينات وتكهنات".

تعيد مثل هذه التحقيقات، الصحافة إلى دورها الأساس، في التقصي وراء المعلومات. الصحافة باعتبارها سلطة كاشفة. لا مجرد أبواق ذات انحيازات مسبقة وضجيج عال بلا مهنية. لا يبدو المشهد الصحافي المصري قاتماً في كليته، مع كفاءات تحاول أن تشق طريقها في مجال عام محكوم عليه بالنتائج المسبقة، ورئيس يحسد سلفه عبد الناصر على صحافته التي تعي "المسؤولية الوطنية" فلا تنشر ما يعتبره "تشويهاً لسمعة البلد" كما قال السيسي في لقائه برؤساء تحرير الصحف المصرية بعد توليه الرئاسة رسمياً.

رنا ممدوح، إلى جانب هشام علام، الصحافي المصري المشارك في تحقيقات وثائق بنما، وغيرهما من المجتهدين في وضع إعلامي شديد الصعوبة، واحتمالات مواجهات عنيفة مع الدولة، بهم يسترد الإعلام تأثيره الحقيقي.

لم تكن الصورة قاتمة دائماً. فقضية "عماد الكبير" التي فتحت الباب لملف التعذيب في أقسام الشرطة المصرية، قادها الصحافي وائل عبد الفتاح، في عهد مبارك، ليكون بمثابة الشرارة في الكتابة عن "الداخلية" والمسكوت عنه من جرائمها المستترة وراء جدران مبانيها وقوتها المتجاوزة للقانون.

مثل هذه المجهودات لا تذهب هباء، ولا تنساها الذاكرة العامة. مثل اسم "بوب وودورد" الصحافي الأميركي الذي ساهم في الكشف عن الانتهاكات التي قام بها الرئيس نيكسون في التجسس على منافسه، في ما يعرف عالميا بـ"قضية ووترجيت".. بفضل التحقيق الاستقصائي الكبير الذي قام به وودورد فضحت انتهاكات نيكسون، ما أدى إلى استقالته من منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.

حين تبحث الصحافة عن الحقيقة، تغير شكل الواقع، وتعيد مكانها كسلطة رابعة، قادرة على مجابهة المستتر بكشفه وتعريضه للرأي العام. في العام 2016 فاز فيلم "سبوت لايت" بجائزة أوسكار لأفضل فيلم. يدور الفيلم حول فريق "سبوت لايت" التابع لصحيفة "بوسطن غلوب" الذي يقوم بتحقيقات عن الاعتداءات الجنسية التي قام بها قساوسة في أبرشية ضد أطفال، وهي الفضيحة التي أدت إلى استقالة "برنارد لوو" كاردينال بوسطن العام 2002.

يأتي الحكم القضائي التاريخي، في يوم أقل قتامة في الصحافة المصرية مع الإفراج عن عمرو بدر في القضية نفسها المحكوم فيها، وبتهمة "نشر اخبار كاذبة" حول قضية جزيرتي تيران وصنافير.

ما يقدمه الصحافيون المصريون من "حقائق" إلى الرأي العام، لا يمثل مهنية واعية فحسب، بل مواجهة لظروف شديدة القسوة في بلد تحتل عالميا المركز الثاني في عدد الصحافيين المحبوسين بعد الصين. لتكون شجاعتهم كبيرة وسط تحديات تهدد حريتهم، وحياتهم أيضاً.