نجوم من دمشق

لقمان ديركي
الأربعاء   2016/08/24
رحل أبو العز الدمشقي قبل أيام. أبو العز الذي يعرفه سكان الشام كأكبر عدو للمرأة. لكنه عدو نبيل. لا يستغل العقائد والمقدسات لخدمة فكرته. ففكرته عن المرأة هي فكرة وجودية خالصة. وصل إليها بعد صدمة عاطفية ضخمة كما يعتقد الجميع لحتى لهالدرجة بيكره الأرض اللي بتمشي عليها المرأة. 

يعتبر أبو العز (الصورة) في شفوياته التي يلقيها على الجمهور من المارة أن المرأة بلاء كل شيء. وأن كيدها بلا حدود. وغدرها يتخطى الخيال. وهو القائل أنو لو حطوا المرأة وابليس بالكيس لطلع ابليس يستغيث. 


كان رجلاً وسيماً أنيقاً يجمع الجمهور حوله ويلقي محاضراته الشيقة دون أن يتعرض له أحد. كان من المسموحات في عصر الممنوعات منذ منتصف الثمانينات. ولم يكن هناك من منافس له في جمهورية الشارع سوى أبو القائد ثاقب الأشياء. والذي اختفى منذ حوالي العشرين عام. 

وكانت أسطورته أنه كان ضابطاً في الجيش وتعرض بالنقد للدولة فأشبعته المخابرات ضرباً حتى جن وصار يلقي أشعاره في الشوارع وعلى طاولات المقاصف في الجامعة. وهو صاحب نظرية الثقب والثقب الثوري. وقد طبع كتابه الذي يشرح نظريته بمقدمة على الغلاف الأخير من كتابة الدكتور طيب تيزيني. وكانوا يقولون أنه ظل يلاحق الدكتور طيب تيزيني في الجامعة حتى اضطر الأخير لكتابة المقدمة لكتابه الثقب والثقب الثوري. 

كان أبو القائد ثاقب الأشياء يطبع قصائده على الآلة الكاتبة وينسخها ليبيع النسخة بليرة أو ليرتين أواخر الثمانينات. بينما تأخر أبو العز في الوصول إلى فكرة بيع أقواله وفلسفته إلى ما بعد الألفية الثانية فصار يسجل الأشرطة ويبيع نسخة الكاسيت بمبلغ مائة ليرة. ولم يكن لهما من منافس في محيط مركز المدينة والجامعة سوى الشاعر الضرير الذي كان يمشي وهو يحمل نسخاً من كتابه الشعري وينادي: هذا الكتاب من تأليفي شخصياً.

استطعتُ بمعجزة الحصول على بعض الوقت لإجراء حوار مع أبي القائد عندما صادفناه أنا وصديق لي قرب الجامعة في البرامكة. وذهبنا إلى بيته برفقة سكرتيرته البيضاء بياضاً شاحباً وهي تحمل له حقيبته السامسونايت. كان بيته في بنايات الـ 14 بالمزة خالياً تقريباً من الأثاث. وأجريتُ معه الحوار. ولكن حظي العاثر شاء أن تضيع الأوراق مني. وكتاب الثقب والثقب الثوري. وأن يختفي أبو القائد بعدها بوقت قصير من شوارع دمشق. 

وبعد عشرين سنة أي في عام 2009 صادفتُ أبا العز في الحمرا بدمشق وكان وحيداً بدون جمهور الملاحقين كالعادة. فقررتُ المغامرة. وبعد أن سلمت عليه اضطررت إلى تسريع خطواتي لمجاراة مشيته السريعة. وطلبت منه أن يسمح لي بإجراء حوار معه. فطلب مني أن أشتري منه كاسيتاً سجل فيه أقواله ضد المرأة. وكان سعر الكاسيت مائة ليرة. وكانت المائة ليرة غير متوفرة معي. 

كان حظي العاثر مرة أخرى. لا حوار مع أبي العز. ولا كاسيت أيضاً. أما الشاعر الضرير فإن حظي العاثر كان بأنني لم أحصل على نسخة من كتابه الذي من تأليفه شخصياً. كما أنني حتى لم أعرف ما هو اسمه شخصياً.