"سيلفي" ناصر القصبي.. والشيعة والسنّة خلفي

وليد بركسية
الخميس   2016/06/09
أثناء التحضير للحلقة الثانية من "سيلفي" وتناولت الصراع السني الشيعي
تهنئة الممثل الكوميدي السعودي الكبير، ناصر القصبي، واجبة، بعد حلقته الثانية ضمن برنامجه "سيلفي 2" الذي يقدمه عبر شاشة "ام بي سي" طوال فترة شهر رمضان الحالي. فقد تجاوز المحرمات، وتناول بشجاعة وبراعة شديدة، مشكلة الانقسام السني الشيعي في العالم العربي، متجاوزاً بشجاعة، الكثير من الخطوط الحمر التقليدية على الشاشات العربية. 

حملت الحلقة عنوان "على مذهبك"، وحكت قصة عائلتين سنية وشيعية، تحصل كل منهما على طفل الأخرى بسبب خطأ بشري في المستشفى إثر الولادة، وبعد أكثر من عشرين عاماً تكشف الحقيقة ويضطر الولدان للعودة، كل إلى أسرته البيولوجية التي تؤمن بمذهب مخالف لما تربّى عليه طوال حياته. وتبدأ معاناتهما الهزلية مع المعارك الدينية التي يقوم بها الأهل الجدد بغرض إعادة الابن إلى "الطريق القويم".

والواقع أن الشكر والتهنئة، لا تنحصر في القصبي. فمن الضروري توجيهها إلى "إم بي سي" لجرأتها في عرض الحلقة. وعرض حلقة مشابهة يمثل دوراً إيجابياً يجب أن تستمر فيه الشبكة ككل، بوصفها أكبر مجموعة قنوات تلفزيونية متخصصة في مجال المنوعات والبرامج العائلية في المنطقة، بعدما كان هذا النوع الساخر بهذا الكمّ من الجرأة النقدية، محصوراً لسنوات في القنوات اللبنانية، وبعض المحاولات السورية مثل سلسلة "بقعة ضوء" الشهيرة.

يمكن مناقشة الحلقة على مستويات عديدة. فمن جهة، تقدم صراع الأجيال في السعودية والحاجة الماسة إلى التغيير الاجتماعي بنبذ الأفكار المتعفنة نحو مسار أقل استقطاباً وتجييشاً تجاه الآخر. فيظهر الولدان كرمز للجيل الشاب بصورة أقل تطرفاً من الأهل، ويبديان صداقة وأخوة ومحبة لطيفة. ومن جهة أخرى تشكل الحلقة نقداً مبطناً لما تقوم به السلطة الدينية - السياسية في معظم دول المنطقة، والتي تعتمد مبدأ كراهية الآخر كشرط لاستمرارها ووجودها، وكشرط للمواطنة أيضاً، مثلما يخشى القصبي في نهاية الحلقة الجدلية.

في السياق، تطرح الحلقة بذكاء مسألة الحرية الدينية وحق الفرد في اختيار معتقداته الخاصة، والتي تتحكم فيها الأسرة والتربية قبل كل شيء آخر. فحتى مع الظرف الاستثنائي الذي يقدمه القصبي درامياً، تضيع حرية اختيار الدين والمذهب من قاموس الشابين الحائرين تماماً أمام السلطة الأبوية والأوامر التي لا بد من طاعتها، فيما تكون مهمة إعادة كل طفل إلى مذهبه الأصلي على يد أهله، بمثابة معركة يراد بها الانتصار على الطرف الآخر كجهاد شخصي مصغر.

إيجابية الحلقة تبدأ من تسميتها الأمور بمسمياتها من دون لفّ أو دوران، وتناولها رموزاً وسلوكيات في كلا الطائفتين للعرض العام والنقاش وحتى السخرية، بداية من صحيح البخاري وصولاً إلى زيارة النجف وكربلاء، وهو ما أثار صدمة إيجابية، خفف الجو الكوميدي العام من وقعها على الناس، وهنا تبرز قوة الكوميديا مقارنة بالبرامج الحوارية أو الجدالات الفكرية المباشرة.

شخصيات الحلقة كلها تقوم على أساس رد الفعل، مثلما هو الحال في المجتمع بطبيعة الحال. لا أحد يختار قراراته بنفسه، بل هناك دائماً سلطة عليا تلقي الأوامر، سواء كان الأب بالنسبة للولدين، أو المرجعية الدينية بالنسبة للأهل. ويبدو الوضع ككل حزيناً رغم الكوميديا التي تطغى على الأحداث، وهي براعة تحسب للقائمين على العمل عموماً، خصوصاً المشرف العام خلف الحربي، والمخرج أوس الشرقي.

وحصدت الحلقة ردود أفعال إيجابية عبر السوشيال ميديا. وتصدّر هاشتاغ #سيلفي موقع "تويتر" في السعودية. لكن بعض المتعصبين من الطائفتين وجدوا في ذلك، للأسف، فرصة للهجوم على القصبي من مبدأ تجاوزه للخطوط الحُمر، وفرصة مماثلة لشتم الطائفة الأخرى، وفق انتمائهم المذهبي الخاص. ومن المخجل مشاهدة مقاطع مجتزأة من سياق الحلقة وتقديمها على أنها شتائم بحق الطرف الآخر، والاحتفال بالقصبي كـ"مدافع ثائر عن الشيعة" أو وصفه "كصقر من صقور السنة"، في وقت كانت فيه الحلقة متوازنة بانحيازها الإنساني المطلق من دون أفكار معلبة.

وكان القصبي في الحلقة الأولى من "سيلفي"، انتقد التعصب الديني في المملكة، والذي يمكن ان يظهر بعد 150 سنة، وانتقد ايضاً سطوة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" على الإنسان مهما كانت هويته أو انتماؤه الفكري.

ومن المعروف ان ناصر القصبي، هو فنان مميز، لا يتوقف منذ سنوات عن انتقاد المشاكل الاجتماعية وملامسة التابوهات بجرأة وحساسية. وتبدو طريقته الخاصة في انتقاء المواضيع واختيار الأفكار، حتى لو كانت تقليدية، ثم عكسها على المجتمعات المحلية، ناجحة، ويجب أن تستمر بالأسلوب الساخر الذكي ذاته والبعيد عن التنظير والملل.