عن محمد رمضان الذي صنع للمصريين بطلهم الشعبي

أحمد ندا
الإثنين   2016/06/27
يُحكى عن فيلم "الفتوة" الذي أخرجه صلاح أبو سيف العام 1957، أنه عندما عرض في السينما للمرة الأولى، بدأ مشهده الأول بظهور فريد شوقي وهو يُضرب على قفاه، وهو ما أثار "جمهور الترسو" وغضبوا وهتفوا في دور السينما "سينما أوَنْطة.. هاتوا فلوسنا". والأونطة في الدارجة المصرية هي القائمة على الاحتيال.


في ذلك الوقت، كانت السينما تقسم تقسيماً طبقياً خالصاً. "البلكون" للطبقات الأرستقراطية، و"الصالة" للمتوسطة، و"الترسو" للعامة والشعبيات. و"الترسو"، هم أبعد المواقع في صالة العرض السينمائي عن الشاشة. هكذا سُمّيَ فريد شوقي وقتها "ملك الترسو"، أي ملك الطبقات الشعبية، بطلها الشعبي وحامل أختام ملاحمها.

ما حكاه أبو سيف وغيره عن واقعة فيلم الفتوة، ظل لوقت طويل "أسطورة" خاصة بـ"الملك" فريد شوقي للتدليل على شعبيته الجارفة بين الطبقات الدنيا على وجه التحديد، حتى أن شوقي نفسه قال في أحد اللقاءات المصورة للتفزيون المصري أن الناس كانت تقول له "محدش يضربك إلا محمود المليجي"!

في العام 2012، عرضت صالات السينما المصرية فيلماً جديداً لمحمد السبكي، بعنوان "الألماني". الفيلم يحمل السمات السبكية المعروفة: بلطجي وراقصات في حارة شعبية، وبطله شاب صغير لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره اسمه محمد رمضان. الجديد هذه المرة أن الفيلم نجح نجاحاً مدوياً فاجأ المنتج نفسه. فالشباب خرجوا من صالات العرض وهم يرددون اللازمات الكلامية لبطل الفيلم "الألماني". على الفور فهم السبكي أن معه منجماً للإيرادات يجب استغلاله بأفضل الطرق الممكنة. وبعد "الألماني" بشهور، قدم للشاب نفسه فيلم "عبده موتة"، عُرض في صالات أكثر من سابقه ليحقق نجاحاً أكبر. وقتها، خرجت الصحف تهاجم هذه "الظاهرة" السينمائية التي تكرس للبلطجة، كما تدعي، وتهاجم منتجها كالمعتاد، وبطلها الصاعد حديثاً محمد رمضان.

في العام 2014، عرض مسلسل "ابن حلال" أول بطولات محمد رمضان الدرامية، المعروف بين الناس باسم مسلسل "حبيشة" على اسم بطل المسلسل. كان المسلسل وقت عرضه "ظاهرة" درامية أيضاً. لم يتوقف محبو رمضان عند أفلامه، بل ذهبوا أيضا إلى التلفزيون، "الحياة البديلة" للكساد السينمائي.

أما هذا العام، ومع عرض مسلسل "الأسطورة"، يبدو أن نجاحه هو مجموع كل نجاحات محمد رمضان المدوية في السنين السابقة. ربما لم تشهد مصر مؤخراً حدثاً خارج العمل السياسي ذات الأثر الاجتماعي واسع التأثير، كما فعل عرض مسلسل "الأسطورة"، وقد تحول مشهد موت "رفاعي" من مجرد جزء من شريط درامي لحكاية خيالية، إلى حدث حقيقي، استقبله متابعو المسلسل بالبكاء والترحم على "رفاعي".

يوم عرض هذه الحلقة، تحولت المقاهي المصرية إلى سرادقات عزاء مرتجلة تبكي "رفاعي" وموته، خاصة مع كلماته الأخيرة التي أكلت عقولهم "راضية عني يا أمي؟"

يعرف محمد رمضان كيف ينسج الملحمة التي تأخذ عقول جمهوره، ويعرف كيف يوفر لهم كل المواصفات المطلوبة في بطلهم الشعبي.

تدور أحداث المسلسل حول شقيقين توأم، أحدهما تاجر سلاح يدعى "رفاعي الأسطورة"، والآخر ناصر الذي يريد أن يلتحق بالسلك القضائي، ولكل منهم حياته الخاصة. لكن سمعة رفاعي تحرم أخاه التوأم من حلمه بأن يكون وكيل نيابة. وتتصاعد الأحداث في حياة "رفاعي" ليموت أمام الحارة كلها، فيتحول ناصر إلى الانتقام لمقتل أخيه ويأخذ مكانه في تجارة السلاح.

مثلما حدث مع الأفلام، تحول المسلسل إلى مادة جاذبة للصحافة الفنية للهجوم عليه وعلى ما يقدمه من "قيم" البلطجة، خاصة مع انجذاب الشباب له، وتحول المسلسل إلى ظاهرة لافتة، وتقليد الشباب لمظهر "رفاعي".

يقدم رمضان النموذج الشعبي "المثالي" القادر مخالفة القانون والتعامل مع الدولة بندية، لا بخوف وحذر، الرومانسي وقت اللزوم، القادر على فرض سلطته لا بقوته لكن بحكمته، وكأنه امتداد لأبطال الملاحم القديمة "الزيني بركات" و"أبو زيد الهلالي".

حريّ بمن يهاجم البطل الشعبي الجديد أن يفهم سياقاته الثقافية والاجتماعية، قبل أن تخرج البرجوازية معاييرها الأخلاقية في الحكم على الظاهرة، التي بدأت من عند فريد شوقي ولن تنتهي عند محمد رمضان.