فضيحة جديدة: مصور الحروب الابرز يعدل صوره بـ"الفوتوشوب"

منى حمدان
الأحد   2016/06/19
التعديل طال العنصر الابرز في جمال "موناليزا أفغانستان" في عينيها
هل تذكرون عيني الفتاة الأفغانية شربات غولا؟ صاحبة أجمل وأشهر عينين في العالم، التي صوّرها الأميركي ستيف ماكوري عام 1984، ونشرتها مجلة "ناشونال جيوغرافيك" عام 1985 على غلافها.

لم تكن تلك الصورة حقيقية بدرجة 100 في المئة. فقد بدأت، منذ نهاية شهر أيار/مايو الماضي، أخبار كثيرة موثقة تشير إلى أن المصور، الذي حاز جوائز عالمية، تلاعب بعدد من صوره، من خلال تعديلها باستخدام برنامج "الفوتوشوب".

ماكوري مصوّر محترف، وهو من أشهر أسماء فريق "ناشونال جيوغرافيك"، ومعروف أنه من أفضل المصورين العالميين، بسبب صوره المبهرة، التي يلتقطها في مناطق النزاعات، والدول التي تعاني من أوضاع إنسانية صعبة.

في أواخر أيار/مايو الماضي، بدأ موقع Pita Pixel، المتخصص في تغطية كل ما يتعلق بأعمال التصوير الإبداعية، بتسليط الضوء على فضائح استخدام ماكوري لبرنامج "فوتوشوب" في بعض أعماله، من خلال عدة تقارير نشرها الموقع.

كان لدى ماكوري معرض أعمال في إيطاليا مؤخراً، حضره المصور باولو فيجليوني، الذي كشف أن إحدى الصور الملتقطة في كوبا، تم تعديلها بواسطة "فوتوشوب"، ثم نشر الصورة الأصلية والمعدلة على مدونته الخاصة، قبل أن يمسح ماكوري الصورة الأصلية من موقعه الرسمي.

وانطلقت حملة للتنقيب في صور ماكوري، كان على رأسها بعض المصورين الفوتوغرافيين المحترفين، وبعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي. فتم العثور على 4 صور، على الموقع الرسمي لماكوري، اثنتان أصليتان، واثنتان معدّلتان بالفوتوشوب.

إعتبر تصرّف ماكوري فضيحة لأن الصور المعدلة نشرت في معارض وصحف ومجلات. وقد نشر موقع Pita Pixel أنه تواصل مع ماكوري لكنه كان في رحلة عمل، وجاءه رد طويل من المصور تعليقاً على هذه الفضيحة. قال فيه: "بدأت مسيرتي منذ نحو 40 عاماً، حين غادرت منزلي للسفر في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، ذهبت إلى أفغانستان مع مجموعة من المجاهدين في عام 1979، وبالتالي أصبحت مصوراً صحافياً، تتسابق المجلات والصحف على نشر صوره في جميع أنحاء العالم". وأضاف: "أود التأكيد على أن الكثير من صوري حالياً، هي إشباع لرغبتي في الاستمتاع بأماكن كنت أرغب في زيارتها، وصور كوبا مثلاً التقطت خلال 4 رحلات شخصية".

وتابع: "أحاول جاهداً أن أشارك بقدر المستطاع في الإشراف على طباعة أعمالي، ولكن في مرات عديدة، تتم طباعة أعمالي ونشرها عندما أكون في سفر، وهذا ما حدث في حالة صورة كوبا، كانت خطأ جسيماً ولا بد لي من تحمل المسؤولية". وختم: "اتخذت خطوات لتغيير الإجراءات الخاصة بالعمل، في الاستوديو الخاص بي، لضمان عدم تكرار طباعة مثل هذه الصور مجدداً".

يعتبر كثيرون أن من حق المصوّر الصحافي تعديل صوره عبر الفوتوشوب، وحجتهم في ذلك، أنهم يعتبرون التصوير الفوتوغرافي نوعاً من الفنون، والصورة قطعة فنية خاصة بالمصور، يحق له التصرف بها كما يريد. لكن التصوير الفوتوغرافي كفعل، هو توثيق للحظة معينة، أو لحدث معين، كما حصل تماماً، وليس كما يريد المصور أن يعرضه.

ليس ستيف ماكوري مصوراً يهوى التقاط المناظر الطبيعية مثلاً. فهو مصوّر صحافي، اتخذ من أماكن الحروب الأهلية والصراعات الدولية مكاناً للقيام بعمله في توثيق هذه الأحداث وحياة الشعوب. من الحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية في لبنان، إلى أفغانستان، وكمبوديا.. وهو يعتبر أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي الصحافي، يسعى كثيرون من الصحافيين إلى التقاط صور كالتي يلتقطها ماكوري.

"أنا مفتتن بالناس، بكل حالاتهم اليومية"، يقول ماكوري، فكيف لشخص مثله أن يغيّر في معالم صورة؟ أن يغير في عيني شربات غولا لتبدو أجمل، بالتأكيد ليس جريمة. لكن تغيير معالم الصورة يضع مصداقية المصوّر الأميركي، ومسيرته المهنية الناجحة والطويلة، على المحك. لم تنته بعد عمليات التنقيب في صور ماكوري، ولعل اكتشاف صور معدّلة أخرى، سيؤدي إلى إنهاء حياته المهنية.

تعديل الصورة يغيّر في حقيقة الحدث، ولو بطريقة تفصيلية بسيطة، والمصورون الصحافيون، ليسوا جميعاً محايدين، فماذا إن استخدم مصوّر صحافي، له تاريخ ومصداقية، الفوتوشوب لخدمة رأيه السياسي؟ أو ما يؤمن به؟

قد يكون ما يؤمن به حق مشروع له، كما حصل مع المصور اللبناني عدنان الحاج حسين عام 2006، لكن ذلك لا ينفي الفضيحة، وفقدان المصداقية. كان لبنان يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف أثناء حرب تموز/يوليو 2006، ولم يكن عدنان الحاج حسين يريد سوى إضافة بعض مشاهد المأساة، أو تضخيمها، للفت أنظار العالم لما يحدث في لبنان من قبل العدو الإسرائيلي.
فتلاعب بصورتين لمكان استهدفته غارة جوية إسرائيلية في بيروت، بإضافة دخان متصاعد على الكمبيوتر، من خلال استخدام برنامج "فوتوشوب".

فأعلنت وكالة رويترز حينذاك وقف تعاملها مع المصور عدنان الحاج حسين، وسحبت كل صوره من أرشيفها، والتي تخطى عددها الـ900 صورة.

حين يقوم مصور صحافي، بتعديل صوره، سيشكك الناس بحقيقة وهول المأساة التي يحاول المصور الكشف عنها من خلال عمله، الذي يفترض أن يكون توثيق وتأريخ قساوة الحرب وبشاعتها كما هي، لا أكثر ولا أقل.