الإعلام السوري ينقلب على عروبته

وليد بركسية
الجمعة   2016/04/01

تخلى الإعلام الرسمي السوري عن العروبة. فبحثه منذ 2011 عن هوية ثقافية مرجعية جديدة يبني عليها خطابه، أفضى به إلى إحياء التراث السوري القديم الآتي من الحضارات الأولى التي قامت في المنطقة، بعد القطيعة بين النظام السوري مع نظرائه العرب من جهة وبعد انهيار ما تبقى من أحلام القومية العربية "البعثية" من جهة ثانية.

عيد رأس السنة الآشورية "أكيتو"، هو الاحتفالية الجديدة التي يحييها الإعلام الرسمي للمرة الأولى في البلاد من 1 نيسان/ أبريل الجاري وحتى 7 منه، فيما تقيم وزارة السياحة الرسمية مهرجاناً موازياً بالشراكة مع قناة "الإخبارية" التي خصصت للعيد تغطيات خاصة موسعة إضافة الى صفحة خاصة في "فايسبوك"، علماً أن الموالين للنظام في الداخل السوري اعتادوا الاحتفال به في السنوات الثلاث الماضية من دون زخم إعلامي.

وكان "أكيتو" أحد الأعياد الممنوعة التي احتفل بها الآشوريون في البلاد سراً كحالة عيد النوروز الكردي، إذ كانت الهوية الثقافية للأقليات محرمة في زمن القومية البعثية.

الاسئلة التي يجب طرحها هنا تتجاوز تغييب كل ذلك التراث لأكثر من خمسين عاماً إلى التساؤل حول الغاية من العودة إليه، حيث يسعى النظام عبر منابره الرسمية للتركيز على صورته كحام للأقليات والثقافات المتنوعبة، وأنه المحافظ على التراث الحضاري الإنساني، مع تكثيف للشعارات النمطية المتداولة في هذه المناسبات "مهد الحضارات، بوابة التاريخ، ..).

تقول "الإخبارية" إن المهرجان يأتي "كتطبيق الدولة السورية واجباتها في إطار الاتفاقات الدولية التي وقعتها مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة "يونيسكو" والمرتبطة بالتراث غير المادي"، إضافة الى "تصحيح الصورة المشوهة التي يحاول البعض بها طمس الهوية السورية وتشويه التراث السوري"، وهي تبريرات غير حقيقية يحاول بها النظام السوري الاستناد إلى شرعية دولية أمام جمهوره الداخلي الذي لم ينس بعد عقوداً كاملة من ضخ معلومات مغايرة للنبرة الجديدة.

وهنا يتقرب النظام من الأقليات في البلاد أولاً ويحسّن صورته الدولية قليلاً مستثمراً قطاع التاريخ والآثار الذي يثير العواطف، كما يحمس الموالين له بخطاب رسمي مقارب لما يتم تداوله في مواقع التواصل الأكثر تشدداً، على أنه مستمر في "عداء العرب الذين انقلبوا عليه دون مساومات مستقبلية"!

أغنية المهرجان وشعاره الأساسي الجميلان حقاً، هما ترجمة للوائح أوغاريت الموجودة في لندن والتي يتم غناؤها بلغتها الأصلية مع ترجمتها للعربية في شقين، الأول: "ألق سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام في كبد الأرض"، والثاني: "أيها الحصادون قوموا واحصدوا حصادنا فلقد حان الوقت لنكسر القيد، من الحنطة لا نأخذ سوى الرائحة، سنزرع بأنفسنا وسنبذر أيضاً".

اللافت هنا أن العراقيين يعتبرون "أكيتو" عيداً خاصاً بهم أيضأً، فهو تاريخياً يعود إلى حضارات ما بين النهرين الأولى التي انتقلت إلى سوريا لاحقاً، في حين أن مفهوم سوريا يتوسع لدى الإعلام الرسمي ليشمل العراق أيضاً بخلاف سورية الكبرى المتداولة سياسياً، وهو ما ظهر في خريطة بثتها "الإخبارية" في تغطيتها الخاصة صباح الجمعة.

وإن كان التنصل من العروبة لا يمر بشكل فج وصريح على الشاشة، إلا أن النقاشات عبر السوشيال ميديا تضج بعبارات مثل (أنا سوري مو عربي، سوريا تجمعنا والعروبة تمزقنا، الاحتلال العربي، ..) فيما تحول "أكيتو" إلى "تريند" سوري في "فايسبوك" و"تويتر" سواء بنشر التحية الأشورية "أكيتو بريخو" أو نشر معلومات عن سوريا والآلهة عشتار التي كانت الحضارات القديمة تكرس العيد لها.