"زمان" التركية باتت من الماضي

جو حمورة
الإثنين   2016/03/07
أخذت المحكمة قرارها هذا بعدما اعتبرت أن صحيفة "زمان" تقوم ببث دعاية لمنظمات إرهابية (غيتي)

تتقلب "بورصة" الحريات الصحافية التركية بين الصعود والأرباح حيناً، وبين الهبوط والخسائر أحياناً أخرى. ويشهد القطاع الإعلامي التركي، منذ سنة تقريباً، صراعات متعددة الجوانب ومشاكل جمّة، تنتهي بمجملها عبر إصدار قرارات قضائية رسمية للفصل في النزاعات.

فبعد يومين فقط من إفراج القضاء التركي عن مديري تحرير صحيفة "جمهورييت" اليسارية، كانت صحيفة "زمان" ومؤسسات أخرى مرتبطة بها كـ"وكالة جيهان التركية"، على موعد مع قرار قضائي بتعيين أوصياء قانونيين عليها في الرابع من الشهر الحالي. وتغير اتجاه الصحيفة التركية المشهود لها بمعارضة الحزب التركي الحاكم، فباتت، بين ليلة وضحاها، مؤيدة له، وتبث ما يبثه الإعلام الموالي تماماً.

وما أن دخلت قوات الشرطة التركية مكاتب شركات صحيفة "زمان"، حتى توقف موقعها الإلكتروني الناطق باللغة التركية عن تحديث مضمونه، ووُضع على صفحته الأولى، والوحيدة، عبارة "نقوم بتحديث الموقع". فيما بقي موقع صحيفة "زمان" الإلكتروني الناطق باللغة الإنكليزية على حاله دون أن يتم حجب مضمونه أو حتى تحديثه، في انتظار أن يكون مصيره كالموقع الأم.

غير أن المفاجأة تمثلت في النسخة الورقية من صحيفة "زمان"، حيث فاجأت بمضمونها، قراءها المعتادين، إذ إن عددها الأول الصادر بعد وضع الدولة يدها عليها، أشاد برئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ورعايته افتتاح مشروع الجسر الثالث الذي يربط ضفتي إسطنبول. وذلك على عكس السياسة السابقة للصحيفة، والتي كانت تنتقد المشروع وتتهم أعضاء الحكومة بتنظيم عمليات رشى خلال تنفيذه.

وتضمن عدد الصحيفة الخاص الصادر يوم الأحد عناوين عدّة وإشادات متفرقة لم تألفها الصحيفة في الماضي، وهي تغدق الصفات الحسنة على الحكومة التركية ووزرائها.

وتعود ملكية صحيفة "زمان" الأكثر مبيعاً في تركيا إلى الداعية الإسلامي فتح الله غولن، وهو صاحب "منظمة الخدمة" ذات النفوذ القوي في الإعلام والإدارة التركية. وكان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان قد اشتبك سياسياً مع غولن منذ نهاية العام 2013، ما أدى إلى دفع هذا الأخير الثمن عبر إيقاف بث كثير من المؤسسات الإعلامية التابعة له، أو وضع غيرها تحت الرقابة القضائية.

وأخذت المحكمة قرارها هذا بعدما اعتبرت أن صحيفة "زمان" تقوم ببث دعاية لمنظمات إرهابية. ومنها حزب "العمال الكردستاني" و"منظمة الخدمة" ذاتها. وهما المنظمتان اللتان يعاملهما الحكم التركي كمنظمات إرهابية، ويمنع بث الدعاية لهما في الإعلام على اعتبار أنهما مرتبطتان بدول أجنبية وتسعيان إلى تقويض الأمن والاستقرار التركي.

على الجبهة المقابلة، اعتبر عدد من معارضي الحكومة التركية أن الهدف من تعيين أوصياء قانونيين على الصحيفة هو "تقويض الحريات العامة في تركيا.. وإسكات المعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم". فيما شجبت منظمات دولية القرار ودعت إلى مراجعته. واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض أن "القرار مقلق، ويأتي ضمن سلسلة من الضغوط التي تمارسها الحكومة التركية على وسائل الإعلام المعارضة".

وعلى عكس الدعم الخارجي وجرعة المعنويات الأجنبية الذي تلقته صحيفة "زمان" وشركاتها، كانت لافتة اللامبالاة التي عبر عنها الأتراك إزاء التعامل مع القضية التي تمس الحريات العامة. فإلكترونياً، لم يشهد العالم الإفتراضي أي حركة "غير طبيعية" تندد وتعترض، ما عدا حملة يتيمة استمرت لساعات محدودة على "تويتر" أبرز المغردون فيها عن دعمهم الصحيفة ورفضهم القرار القضائي وسياسة الحكومة. وأصدروا عريضة إلكترونية داعمة للصحيفة وللحريات الإعلامية، داعين المواطنين إلى التوقيع عليها.

القرار المرتبط بـ"زمان"، ليس الأول من نوعه، بل أتى بعد أشهر قليلة من فرض القضاء التركي تعيين أوصياء قانونيين على شركة "إيبك- كوزا" المالكة لـ22 مؤسسة إعلامية معارضة.

وتعاملت الصحف التركية الأخرى مع القرار القضائي بحذر، ومنها صحيفة "حرييات" العلمانية، التي لم تفرد أي مقال أو تحقيق خاص لما جرى مع زميلتها، بل اكتفت بنقل الأخبار الواردة من وكالات الأنباء الرسمية. وعلى الرغم من تنديد الأحزاب العلمانية بهذا القرار القضائي، إلا أن الصحيفة قد تكون إلتزمت سياسة "دفن الرأس في التراب" خوفاً من مصير مشابه بعد فترة، أو لأن صحيفة "زمان" هي منافستها التجارية الأولى في السوق.

أما الإعلام التركي الناطق باللغة العربية فأخذ موقف المشجع للقرار القضائي، وألصق التهم بصحيفة "زمان" وبالداعية غولن وضخم بعضها، وبرر سعي الحكومة إلى "الإمساك" بالمؤسسات الإعلامية المرتبطة بقوى خارجية. وأكد أن الحريات الإعلامية في تركيا مصانة بشكل كامل وبأفضل حالاتها.

تخلّى كثيرون عن "زمان" بعدما كانت تقدم للقراء العديد من المواضيع العميقة والقراءات المغايرة واللافتة للتطورات الداخلية التركية. فيما ذهبت الصحيفة ضحية الصراع السياسي بين الحزب الحاكم و"منظمة الخدمة"، فبات في مكاتبها أوصياء قانونيون يسهرون على إصدارها تبعاً لحدود الحرية المسموح بها من قِبل السلطة. الأمر الذي دفع بعض المعلقين التلفزيونيين الأتراك إلى القول أن الممارسات الحكومية والقضائية الحالية تذكّر بأساليب حكم الجيش لتركيا، وهي سياسات هدفها إرجاعنا إلى الماضي بدل التقدم نحو المستقبل.