بوتين ينهش أميركا بأنياب "مايكروسوفت"!

أحمد مغربي
السبت   2016/11/05
ألم يؤسس "غوغل" أميركيّان من أصل روسي، هربا مع عائلتيهما من بلاد الشيوعيّة؟
إذا كنت أميركيّاً في الحزب الديموقراطي، وتملأ عقلك نظرية المؤامرة، هل كنت لتتوجس من تواطؤ ما، بتعابير جنبلاطيّة، بين شركة "مايكروسوفت" و...فلاديمير بوتين؟! من أين كانت لتأتيك تلك الفكرة المؤامراتيّة؟ الأرجح أنها كانت لتأتي من عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي دأب المرشح الشعبوي دونالد ترامب على استحضار شبحه في معركته ضد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. 

من ناحية ثانية، لم توفر كلينتون فرصة سانحة للإشارة إلى "علاقة ما" بين بوتين وترامب، بل أنها وصفت تلك العلاقة، بألفاظ صريحة، معتبرة أنّ "ترامب هو دمية بوتين التي يريد إيصالها إلى البيت الأبيض. (حسناً: هناك وصف سياسي آخر لتلك الكلمات، من ضمنها... عقلية المؤامرة).

ذكريات حرب قديمة
ما دخل "مايكروسوفت" في ذلك كله؟ يأتي شبح الرئيس السابق بيل كلينتون ليقدم إلى المغرمين بنظريات المؤامرة رواية حسنة الحبك. ويتمثّل السند الرئيسي والواقعي لتلك الحبكة مؤامراتيّة الطابع، في ذكريات النزاع المرير الذي دار بين الرئيس كلينتون وشركة "مايكروسوفت"، وهو وُصِف آنذاك بـ"حرب البيلّين" War of Two Bills، في إشارة إلى بيل كلينتون، وبيل غيتس المؤسّس الأسطوري لشركة "مايكروسوفت". 

آنذاك، سعى الرئيس كلينتون إلى تحطيم "مايكروسوفت"، حرفيّاً، عبر المطالبة بتطبيق "قانون شيرمان" الذي يمنع تشكيل شركات احتكاريّة في أميركا لأنها تمنع المنافسة الرأسماليّة من أن تكون عادلة، وهو طُبّق مرّة وحيدة ضد شركة "ستاندرد أويل" للنفط، وأدى إلى تفكيكها.

وآنذاك أيضاً، من دون المؤامرة وعقليتها، انحازت "مايكروسوفت" علانية إلى المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش. وصبّت أموالاً وافرة في حملته الانتخابيّة ضد المرشح الديموقراطي آل غور، الذي كان وُصف بأنه امتداد لعهد بيل كلينتون، وهو أمر استعادته حملة ترامب حاضراً عبر وصفها هيلاري بأنها امتداد لزوجها، إضافة إلى وصفها أيضاً بكونها امتداداً لعهد الرئيس باراك أوباما! (واضح من "الامتدادين" أن عقلية المؤامرة وافرة الحضور في حملة ترامب).

إذاً، هل يذهب عقل المؤامرة إلى القفز فوق 15 عاماً تفصل عن العام 2001، ليرى في "مايكروسوفت" شبحاً حاضراً في خلفية حملة ترامب؟ أيكون في وسع ذلك العقل المؤامرتي أن يفسر تصريح "مايكروسوفت"، مطلع الشهر الجاري، عن أنها اكتشفت ثغرة سمحت لمجموعة روسيّة باختراق نُظُم إلكترونيّة عالميّاً، بأنه اخلاء للمسؤولية عن تسلّل محتمل لمجموعة إلكترونيّة تديرها روسيا، إلى نظام الاقتراع في أميركا بهدف إيصال ترامب إلى "المكتب البيضاوي" في البيت الأبيض؟ 

لنهجر المؤامرة... وتشومسكي!
قبيل ضربات الإرهاب في 9/11، نشر المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، مقالاً ذاع صيته بسرعة، حمل عنوان "عالم واحد، نظام واحد"One World, One System. حمل المقال شكوى من اليد القويّة التي تقبض بها "مايكروسوفت" على عالم الكومبيوتر، خصوصاً عبر نظامها "ويندوز". ولاحظ تشومسكي أن نظام "ويندوز" ينتشر في ما يفوق 95% من أجهزة الكومبيوتر عالميّاً، ما يساوي محاولة تعميم نظام واحد بعينه على العالم بأسره. ولم يكن ذلك بعيداً من تلك العولمة التي كانت في عزّ فورتها آنذاك، بل كانت في مرحلة "العولمة المتوحشة" التي صارت منبوذة من قبل قوى العولمة نفسها بعد قرابة عقد من السنين!

في تلك المرحلة الصاخبة، كان بادياً بوضوح أن "مايكروسوفت" تحوز قوّة عاتية تخترق هيمنتها خرائط الكرة الأرضيّة، وهو ما تناوله مفكر أميركي آخر (أميركي- لبناني) هو رالف نادر)، في مقال ذاع صيته، مطلع القرن الجاري، وحمل عنواناً لا يصعب فهم مغزاه: "أوقفوا مايكروسوفت" Stop Microsoft.

حتى لو هجرنا ذلك الضرب من التفكير كله، تبقى حقائق واضحة، تبعث على القلق. إذ ينتشر نظام التشغيل "ويندوز" في ما يفوق 90% من الكومبيوترات حاضراً. يصح القول بأن نظام "ماك" مثبّت في أجهزة "آي باد"، وأنه يعمل على نسبة محترمة من خوادم الانترنت، وكذلك أجهزة الكومبيوتر الفائقة (Super Computer). ويصح القول أيضاً بأنّ انتشار الأجهزة الذكيّة، كالهواتف الذكيّة والألواح الإلكترونيّة، خفّف من انتشار أجهزة الكومبيوتر كلها، بما فيها "اللاب توب".

لكن ذلك لا يغيّر شيئاً في واقع الانتشار المذهل لنظام "ويندوز"، بل يكاد يحتكر أجهزة الكومبيوتر عالميّاً. ويعني ذلك أيضاً أنك تستخدم، في كومبيوتر مكتبك، نظاماً يشبه ذلك الذي يعمل به معظم علماء وكالة الفضاء "ناسا". أكثر من ذلك، أظهرت الوثائق التي كشفها خبير المعلوماتية الأميركي المنشق، إدوارد سنودن، أنّه حتى في جهاز استخباراتي عالمي مثل "وكالة الأمن القومي"، ينتشر نظام "ويندوز" في معظم الحواسيب المستخدمة في تلك الوكالة. 

"الدب المُشتَهى"!
عند منعطف سنودن، يعود التفكير المؤامرتي ليطلّ برأسه السقيم مجدداً. ألا يقيم ذلك الخبير الذي كان مطّلعاً على معظم أسرار التجسّس الإلكتروني الأميركي، في موسكو- عاصمة فلاديمير بوتين؟ ماذا لو أن برقاً ما حمل خاطراً من نوع أن الاستخبارات الروسيّة اغترفت معلومات ضخمة ونوعيّة من سنودن، بمعنى أنها أكثر حساسيّة من تلك التي نشرها سنودن حتى الآن؟ ألا يعني ذلك أن الاستخبارات الروسيّة باتت تعرف تفاصيل "البيت الإلكتروني الأميركي"، إذا جاز الوصف، بدقة تتيح لها التدخّل بتأثير كبير، بل ربما يفوق المتوقّع؟ (تذكير: بوتين جاء من صفوف جهاز الاستخبارات السوفياتي "كيه جي بي" ذائع الشهرة). 

ألا تتوافق تلك المعطيات مع اللهجة الحربيّة التي وصفت فيها واشنطن محاولات موسكو اختراق أجهزة "الحزب الديموقراطي" الذي يشكّل أحد أركان مؤسّسة الدولة الأميركية ونظامها؟ على الأقل في المنشور من وثائق سنودن، هناك وصف واسع للثغرات في النظم الإلكترونيّة الأميركيّة والعالميّة (في غالبية الأحيان، الإثنان هما واحد، نظراً لتمركز معظم شركات الكومبيوتر الكبرى في أميركا). وكذلك وصف لطريقة تعامل الاستخبارات الأميركيّة معها، وتفاصيل عن الإمكانات التي تملكها حيالها مع رسم لحدود تلك الإمكانات أيضاً.

الأرجح أن الكلمات السابقة أبدت قسوة ما حيال "مايكروسوفت"، خصوصاً أنها كانت المُبادِرَة إلى كشف ثغرة أساسيّة في نظام التشغيل "ويندوز" تمكنت مجموعة تعرف بإسم "ستروتنيوم"  STROTINUM، من استغلاله للنفاذ إلى نظام "ويندوز" لاختراقه. (بالمناسبة، إذا كان كومبيوترك يعمل بـ"ويندوز"، فمعنى ذلك أن تلك المجموعة تستطيع الوصول إليك في أي لحظة).

وفي بيانها عن تلك الثغرة الأساسيّة، أوضحت "مايكروسوفت" بأن روسيا ربما كانت وراء تلك المجموعة التي تعرف بأسماء أخرى، منها "الدب المُشتَهى". ووعدت "مايكروسوفت" بأنها ستعمم برنامجاً أمنياً صغيراً لسدّ تلك الثغرة، في يوم بداية التصويت للانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة! 

ويزيد في القلق أن "مايكروسوفت" أوردت في بيانها أيضاً أن محرك البحث "غوغل" هو الذي كشف الثغرة، قبل أن تتوصّل "مايكروسوفت" إلى معالجتها وسدّها. فما العلاقة بين الثغرة والانتخابات الرئاسية؟ هل لـ"غوغل" علاقة ما بذلك النسيج المتشابك من التجاذبات؟ 

لكن، ألم يؤسس "غوغل" أميركيّان من أصل روسي، هربا مع عائلتيهما من بلاد الشيوعيّة؟ ألا يصح القول بأنّ عاصمة بوتين لا ينطبق عليها ذلك الوصف حاضراً؟ هل..؟ هل...؟ هل...؟ يبدو أنّ الرأس السقيم لتفكير المؤامرة، لا ينفكّ يطلّ، وبِعِناد!