ماراثون للتصوير في بيروت: المدينة استديو مفتوح

علي سعد
الإثنين   2016/10/24
من ماراثون بيروت للتصوير - بعدسة لينا داني
تتخطى الصورة، في "ماراثون بيروت للتصوير"، الأحد الماضي، كونها تعبيراً عن نمط عيش وحاضر وماضٍ. هنا، لم تكن مجرد تأريخ للحظة معينة. إذ تتحول الصورة من مجرد عملية تأريخ، الى تعبير عن روح المصوّر يقولبها معها، كي تتسلل لاحقا الى لاوعينا وتساهم في صناعة إدراكنا الذاتي والبصري.
حضرت هذه المقاربة في "ماراثون الصور" الذي نظمته منظمة "فرايم" بالتعاون مع ست منظمات في سبع مدن مختلفة حول العالم، بينها بيروت، بهدف إبراز الحياة في هذه المدن وأرشفتها للأجيال القادمة. وحُمّلت الصور، على مرحلتين، في الموقع الالكتروني الخاص بالمنظمة. 

لكن ذلك لا يعني أن الامر يمر من دون معوقات كثيرة ساهمت فيها الطفرة التكنولوجية. وعززها ميل الإنسان الى الاكتشاف بنفسه ونقل تجربته الخاصة، وهو ما يدركه جيداً، علي السيد علي، أحد مؤسسي "فرايم".

يعترف علي في حديثه لـ"المدن"، بأن تسويق الصورة، أي عملية إيصالها الى أكبر عدد من المتلقين، "بات يشكل تحدياً كبيراً فيما يتم يومياً تحميل مليار وسبعمئة مليون صورة في الإنترنت"، لكنه لا يرى أن هدف التصوير ينحصر في عملية الوصول، "بل في المادة المقدمة وقدرتها على خدمة الهدف الذي صٌورت لأجله".

والهدف الأساسي في حالة "ماراثون الصور"، هو توثيق المدينة وسكانها وتوجيه نظرة المجموعات الكبيرة وربط المجتمعات عبر لغة عابرة للاختلاف الثقافي واللغوي، وهي لغة الصورة التي تشكل مرآة الحاضر وأرشيف الأجيال القادمة.

الماراثون، يتميز في كونه يقدم كل مدينة من وجهات نظر مختلفة، يعبّر عنها مصورون محترفون وهواة، وتعبّر هي بدورها عن منظومة الأفكار التي حملوها والبيئات التي عاشوا فيها، إذ يمكن أن يرى أحد المصورين في منطقة معينة، الفوضى والمنازل العشوائية، فيما يختار آخر أن يصور المباني الفخمة والشاهقة في المنطقة نفسها.

وتوجب على كل مصور أن يأخذ 12 لقطة متنوعة في موضوع معين، يتعلق بمنطقة تختارها اللجنة المنظمة، كي يصار في وقت لاحق الى اختيار صورة فائزة من كل مدينة تمكن مصورها من عرض صوره عبر منصات عالمية والمشاركة في معارض في مدن مختلفة.

على أن هذه الطفرة في الصور، خصوصاً بعدما لاقت "صحافة المواطن" رواجاً كبيراً، أفرزت سؤالاً وجودياً حول مستقبل التصوير الفوتوغرافي الاحترافي ودوره في المستقبل غير البعيد، وهل تستطيع الصورة المحترفة التعبير عن نفسها وسط هذا الكم الهائل من الضخ عبر شبكة الإنترنت؟!

بالتأكيد، لن تتساوى الصورة المحترفة والتي قد يستغرق بعضها ساعات أو أشهر، لالتقاط لحظة معينة تعبر عن فكرة معينة، مع الصورة التي يلتقطها هاوٍ بهاتف ذكي خلال ثوان معدودة، لكن ما بات مؤكداً أن مهنة التصوير الفوتوغرافي تقف أمام تحد مهم في إثبات نفسها عبر تأمين سبل الوصول الى المتلقي الغارق في بحر من الخيارات.

المتلقي بدوره سيبقى جاهزاً لاستقبال الصورة المحترفة. فهو، وإن كان لا يدرك قواعد التصوير الفوتوغرافي، لكنه يستطيع التمييز بين صور الهواة والصورة المحترفة القادرة على تقديم منظومة أفكار تحاكي خياله في لحظة واحدة، وتأخذه الى المكان نفسه حيث الصورة.

ستطرح هذه المشكلة أيضاً على المصورين الفوتوغرافيين إشكالية العمق الذي يقدمونه في صورهم. وأمام الواقع أنه لم يعد التصوير حكراً عليهم، باتوا مجبرين على تقديم عمق أكبر للصورة، بهدف التلاعب بالإدراك وجعله يستكشف فيها الروح التي لا ترصدها آلة التصوير، وبالتالي خلق صور يصعب كثيرا أن يأتي أحد بمثلها.