"أطفال شوارع" لـ"المدن": من "قهوة الفقراء" إلى انتشار فاجَأنا!

أحمد ندا
الأحد   2016/01/17
"كلنا قاهريون ومن أحياء شعبية كمان"
قبل أسبوعين فقط من الآن، انتشر فيديو لمجموعة من الشباب يرددون معاً أشهر عبارات إذاعة القرآن المصرية. وهي العبارات التي لم تتغير منذ عقود. وتخللته المفارقة الكوميدية في طبيعتها بين صوت مذيع الربط العريض الفخيم، الذي يقدم لبرنامج للأطفال، يليه صوت الدكتورة هاجر سعد الدين مقدمة البرنامج الطفولي.

الفيديو تحول إلى موضوع من موضوعات التواصل الاجتماعي، ربما لأن إذاعة القرآن مساحة من النوستالجيا بعيدة من الاستهلاك في السنوات الماضية، وربما لأن الفيديو كان بعيداً من الحدث السياسي الآني. فقد أظهر بطريقة بسيطة وعفوية مجموعة من الشباب يبدون وكأنهم يتجهزون لتصوير "سيلفي"، كما أنه ليس مونولوجاً يحاول انتزاع الكوميديا بالقوة، كما في معظم المحاولات الافتراضية في السنوات القليلة الماضية.

وبعدما استحوذ الفيديو على اهتمام كبير، بهاشتاغ #ولاد_الشيخ_كشك، ظن كثيرون أن هذا هو الاسم الذي أطلقه هؤلاء الشباب على أنفسهم، خصوصاً مع الوجه الملتحي لحامل الكاميرا. الفيديوهات التالية استخدمت النوستالجيا والكيتش كمادة خام أيضاً: من أغاني الأطفال الأشهر في الثمانينيات والتسعينيات، مروراً بإعادة تقديم أشهر الفقرات المتلفزة خلال الحقبة نفسها، وحتى ربط الأغاني الحزينة مع بعضها، مثل أغاني هاني شاكر ومحمد محيي وحمادة هلال وغيرهم.

غير أن أذكى هذه الفيديوهات التي تحمل بصمتهم ورؤيتهم في تفكيك الكيتش ونقده، لا السخرية منه فحسب، كانت في مقطعي الفيديو مصر اللي في السينما، والأسئلة الوجودية. الأول، يسرد فيه الشباب أشهر العبارات التي تستخدم في السينما والتلفزيون، عبارات "الحشو" كما نسميها بما هي مادة للتفكه حتى في أكثرها ميلودرامية. والفيديو الثاني هو حصر ذكي لأشهر الأسئلة في الأغاني والأفلام والمسلسلات والبرامج، من دون محاولة لتفسيرها أو الإجابة عليها. "وجوديتها" نابعة من تكرارها فقط لحد فروغها من مضامينها.

في هذين الشريطين، سمات لما يحاول الفريق تقديمه. فكما "فجروا" فكرة المؤدي الفرد في فيديوهات السوشيال ميديا، وتحول الكيتش إلى كولاج يعاد ترتيب عناصره من جديد، استطاعوا بذكاء أن يفككوا بداهات لها علاقة بالميديا بنزعها من سياقها النوستالجي وتعريتها.

بعد تحديد موعد اللقاء، وصلت كعادتي متأخرا قليلاً، لأجدهم جميعا بانتظاري، فبادرتهم قائلاً: "كنت أظنكم غير قاهريين"، ليرد أحدهم "كلنا قاهريين ومن أحياء شعبية كمان". كانوا ستة شباب، صعب علي في البداية أن أتذكر أسماءهم، إلا منسق الفريق والمتحدث الرسمي باسمه محمد عادل، ربما لأنه كان أكثرهم قدرة على الحديث: عادل وزين وعز وسوري ويحيى وميدو.

- بداية، أنتم أطفال شوارع أم ولاد الشيخ كشك؟ وفي كل الأحوال لماذا كشك تحديداً؟

** (عادل) ولاد الشيخ كشك كان الهاشتاغ لأول فيديوهاتنا "براعم الإيمان"، لأن الشيخ كان يحمل طاقة كوميدية كبيرة في خطبه وشرائطه التي سمعناها في المحلات في مناطقنا الشعبية، ومن ينسى عباراته الأشهر "عجوز في السبعين تغني خذني لحنانك خذني.. أخذك المولى عز وجل!" وكان يسخر بالطبع من أم كلثوم.

- ألا ترون في اختيار "أطفال شوارع" كليشيه من النوع نفسه الذي تحاولون السخرية منه؟

** (يحيى وعادل) المسألة أبسط من ذلك، نحن جميعاً تربينا في الشارع، جميعنا ينتمي لمناطق شعبية فكان أثر الشارع فينا أكبر من بيوتنا بكثير. (يضحك عادل) أنا تهت من منطقتنا وعن بيت أهلي ليومين وأنا صغير وعدت وكأن شيئاً لم يكن. باختصار، الاسم هو توصيف حقيقي لما نحن عليه بالفعل من دون زيادة أو نقصان.
(زين) لعلمك، لسنا فقط من مناطق مختلفة، لكن أعمارنا مختلفة أيضاً، أنا وسوري 25 عاماً، ويحيى 33، عز 19، وميدو 23 عاماً.

- الانسجام بينكم في الفيديو يدل على أنكم تعرفون بعضكم البعض جيداً، كيف تعارفتم ومتى قررتم أن تصنعوا هذه الفيديوهات؟

** (يحيى) نحن نعرف بعضنا البعض منذ أكثر من عامين، إذ نعمل جميعاً في مسرح الجيزويت، وقدمنا عروضاً كثيرة في الشارع، مثلنا مثل فرقة "حالة" المسرحية. ردود الأفعال حول ما قدمناه في الشارع من المتفرجين كانت طيبة، حتى قررنا منذ أسبوعين، أسبوعين فقط، أن نقدم شيئاً في السوشيال ميديا، حتى تصل عروضنا إلى شريحة أكبر.
(عادل) الفكرة جاءتنا ونحن جالسون في مقهى في وسط البلد نسميه "قهوة الفقراء". قلنا: ولم لا؟ تبلورت الفكرة بأن نعتمد على ذكرياتنا مع السينما والتلفزيون والإذاعة، ولم نعتمد على مشاهدة فيديوهات قديمة قبل البدء، ومعظم ماقدمناه كان مرتجلاً تماماً.

-اسمحوا لي أن أتشكك في الارتجال، في الفيديوهات خاصة، لأن الفقرات تبدو محضرة بشكل جيد جداً..

**(عادل) الفكرة ببساطة أننا نتفق على الموضوع وعلى "اللازمة" الأساسية ومونولوج كل واحد، لكن ما تراه في الفيديوهات هو ابن لحظته تماماً. لا ورق محضراً للفيديوهات، ولو تلاحظ، أحياناً ننسى كلمات الأغاني أو الفقرات ونستبدلها "باللخبطة" في الكلام.

-هل توقعتم هذا الاستقبال "الحافل" من الناس بعد خمسة فيديوهات فقط؟

**(عادل) في الحقيقة، ما زلنا تحت وقع المفاجأة حتى الآن، توقعاتنا مع إطلاق الفيديو الأول أن نحصد مشاهدات أقصاها 10 آلاف، لكن الأرقام بدأت تتضاعف بطريقة مذهلة، حتى أن فيديو أغاني "سينما الأطفال" وحده حصد ما يتجاوز الـ4 ملايين مشاهدة، وبدأت أخبار الفقرات تصل إلى برامج المنوعات في التلفزيون، نحن حتى الآن لا نصدق هذا النجاح.

- ما هي خطتكم مستقبلاً؟ وهل من الممكن أن نرى فيديوهات تستغل الحدث السياسي الآني؟

** حتى الآن لا نعرف ما هي خطط المستقبل، كما قلنا من قبل، الفكرة جاءتنا من "قعدة على قهوة" بلا تخطيط، صنعنا فيديو مع دوت مصر تي في، وآخر لصفحتنا في فايسبوك، وهذا كل ما في جعبتنا حتى هذه اللحظة.
بالنسبة للحدث السياسي، لا أعتقد أن أحداً في مصر كلها الآن يستطيع أن يقدم "إفيهات" أعلى منه، الواقع أعلى من خيالنا في الكوميديا الآن، ويكفي أن فايسبوك فيه آلاف الصفحات التي تستلهمه، نحن أردنا أن نقدم شيئاً مختلفاً.

- هل تطمحون إلى تحويل الفقرة إلى برنامج تلفزيوني كما حدث من قبل مع "أبلة فاهيتا" مثلاً؟

** ربما، هذه الفكرة مطروحة، لكن حتى الآن لم يأتنا شيء، كما أننا لا نريد التعجل و"حرق" أنفسنا، لم يمر أكثر من أسبوعين على كل هذه الخطط والأفكار.

-لقد تحولتم إلى نجوم في زمن قياسي.. أسرع من باسم يوسف نفسه!

** (عادل يضحك ساخراً) نعم نعم، سنحاول في الفترة المقبلة تصدير بعض الكبرياء المزيف من أجل هذه النجومية.

-بشكل شخصي أتمنى أن أرى فيديو للسياسيين المصريين، بدءاً من الرئيس وحتى نواب مجلس الشعب...

**(عادل مقلداً السيسي) "كون كده، نجوع إيه يعني" كل شيء من علم الغيب، ربما يحدث وربما لا.