"مملكة النعيم".. عدو "جديد" للنظام السوري

وليد بركسية
الجمعة   2015/04/24
تهكم لا يجيده البرنامج، إذ يطرح إشكاليات سعودية من منطلق "امتلاك الحقيقة"

رمال ذهبية تتطاير، وأشجار نخيل تتمايل على وقع موسيقى شرقية تقليدية. ليس هذا التقديم لبرنامج كرتوني عن سحر الشرق الفاتن، وليس فيلماً هوليوودياً عن أحد المستشرقين التائهين في الصحراء، بل هو مقدمة الجزء الثاني من سلسلة "مملكة النعيم" التي أعادت قناة "الإخبارية السورية" الرسمية إحياءها، منذ الأسبوع الماضي، لما قالت انه "فضح التاريخ الأسود للملكة العربية السعودية أمام الجمهور".

يأتي البرنامج في إطار تصعيد "محور الممانعة" ككل في المنطقة العربية من حدة لهجته إعلامياً وسياسياً ضد المملكة العربية السعودية منذ إطلاق عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، وذلك بالتوازي مع اتجاه مماثل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بقيادة الصفحات الموالية مثل "دمشق الآن" وحتى في الإذاعات المحلية المؤيدة للنظام مثل "شام إف إم".

مدة البرنامج لا تتعدى الخمس دقائق، تطرح كل حلقة منه موضوعاً ما حول "تناقضات الحياة في السعودية" بين "الشعب الفقير" و"الأسرة الحاكمة الغنية"، لكن سوء الإعداد يجعل الموضوعات متداخلة، فلا يجمعها سوى الهجوم اللاذع على السعودية في ما زعمت إنه "صراع مع الحضارة السورية"، وهو ما تجلى بوضوح في الحلقتين اللتين عرضتهما الإخبارية حتى الآن (حضارة النعيم، كنوز الذهب الأسود)، وتقدم الحلقة الثالثة اليوم الجمعة.

بخلاف جزئه الأول الذي عرض قبل عامين، والقائم على مبدأ الهجاء فقط بلغة أقل حدة، يتأرجح الجزء الجديد بين محورين هما "تحقير" لـ"مملكة النعيم" وتمجيد "الدولة السورية"، وعليه فإن المعلومات في السلسلة هي مجرد رتوش تستخدم لإيصال رأي سياسي فج دون مهنية، وبهذا يصبح وصف السلسلة بأنها وثائقية، هو الكوميديا بحد ذاتها. فهي أقرب بما تقدمه الى البروباغندا، وتذكر لغتها إلى حد كبير ببرنامج "التضليل الإعلامي" على قناة "الدنيا" شبه الرسمية.

يحاول البرنامج، بلا جدوى، تقديم "التهكم الإعلامي"، وهو أعلى درجات السخرية، فيطرح قضايا المرأة والفقر والحياة الاجتماعية والسياسية في السعودية من منطلق فكري خاطئ: "امتلاك الحقيقة". يُضاف إلى ذلك التعميم الأجوف المتكرر والاعتماد على التلميحات ثقيلة الظل بدل المباشرة وعدم الاستناد إلى تقارير واضحة أو إلى مصادر معلومات دقيقة، لتكون النتيجة النهائية مجرد ثرثرة فارغة باتجاه واحد.

لا يصف البرنامج، المملكة العربية السعودية، بالعدو مباشرة، بل يعتمد أسلوب الخطاب الفوقي والمقارنات مع حضارة سوريا التاريخية. فسوريا في صراع مع الكبار فقط وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية.. أما السعودية "فهي مجرد منفذ للأوامر الخارجية"! ويظهر ذلك بصرياً ضمن سياق البرنامج عند ذكر كلمة "العدو" بإحالة الصورة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما أو مستشارة الأمن القومي السابقة كوندليزا رايس، كنوع من المبالغة في الاستهزاء سياسياً وإعلامياً بالعدو الإقليمي الصغير.

العداء مع السعودية، لم يكن يظهر بهذا المستوى في الإعلام الرسمي السوري حتى بعد انطلاقة الثورة السورية وتفكك تحالفات النظام الضعيفة مع دول المنطقة. أما في الماضي، فكان من المستحيل قراءة أو مشاهدة كلمة بحق "الأشقاء العرب" حفاظاً على "القومية العربية". كل هذا التغيير في الخطاب، يقابله تغير في التحالفات السياسية، ويمهد للجمهور لمزيد من العنف السياسي وربما العسكري بين الطرفين.

وبصرف النظر عن مدى صدقية ما يطرح من معلومات، يبقى البرنامج في العموم رديئاً من ناحية الإنتاج والتنفيذ. فمقاطع الفيديو التي تعتمد عليها السلسلة قديمة وغير واضحة أحياناً، ويبدو معظمها مجتزءاً من سياقات أخرى. أما صوت المعلق، فانفعالي وحماسي ومزعج بما يتناسب مع أسلوب المديح والهجاء المتبادل. أما الموسيقى، فتذكر بأجواء لعبة فيديو من التسعينيات عن علاء الدين أو فيلم كارتوني هزلي عن "ألف ليلة وليلة".

تَعِد "الإخبارية" جمهورها بالكثير من المعلومات السرية والحصرية عند ترويجها للبرنامج: "في هذه السلسلة التي ستشاهدونها تباعاً ‬ ما لا يعرض على قنوات النفط وصحف الضمائر المأجورة والقوادة الإعلامية، عن بلاد النفط الكالح كقلوب حكامها ووجوههم يحكي، وعن المستور يكشف الستار". لكن النتيجة النهائية للبرنامج تكذب ذلك، فالسلسلة مجرد محاولة للتذاكي على الجمهور وشحنه عاطفياً ضد "أعداء الدولة السورية" عبر التلاعب الممل بالألفاظ في سياق بروباغندا الممانعة.