تحقيق "الغارديان" عن "مدى مصر" يثير جدلاً

أحمد ندا
الخميس   2015/01/29
التحقيق المنشور في "غارديان" عن "مدى مصر"

فقرتان في تحقيق طويل (يزيد عن ستة آلاف كلمة)، نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن موقع "مدى مصر" الصحافي، كانتا حاجزاً حال دون الإحتفال بخطوة مشابهة. ودفع الأمر كثيرين إلى الغضب ورفض محتوى الفقرتين، وفتح جدلاً واسعاً حول مفاهيم المهنية والحرية الشخصية، بل وامتد الجدل إلى أبعد من ذلك، إلى سؤال: هل تمارس قطاعات النخبة الثورية النقد الذاتي أم أنها ترى نفسها فوق النقد؟

الجزء "المعيب" في تحقيق الغارديان، يخص أحد الصحافيين المستقيلين من العمل في الموقع، وهو المحرر الأسبق للقسم العربي فيه، محمد آدم، إذ قامت رئيسة التحرير لينا عطا الله بنشر محتوى بعض الرسائل التي كانت بينها وبين محمد آدم في فترة خلافهما قبل أن يترك المؤسسة، وأظهرت المراسلات الصحافي الشاب بصورة سلبية، من دون أن تفرد له مساحة للرد على هذه الاتهامات من رئيس التحرير، ونقلتها كاتبة التحقيق ليزلي تشانج، ناهيك بالطبع عن انتهاك الخصوصية الذي قامت به عطا الله من دون وجه حق في نشر مراسلات خاصة بينها وبين أحد مرؤوسيها السابقين بلا استئذان منه.

لم يكن يفضل آدم أن يحول هذا الخطأ الأخلاقي والمهني إلى عراك. وقال إن الجزء الذي يخص مشكلته مع "مدى"، والتي على خلفيتها ترك العمل بالموقع، غير دقيق، وهناك تفاصيل كان يجب ذكرها لكن هذا لم يحدث، وأنه أرسل رسالتين إلى لينا عطا الله "رئيسة التحرير" يطلب منها ألا تتطرق للخلاف لكنها لم ترد، وأرسل للصحافية وللمحرر، وطلبوا منه ارسال رده، لكن لم يتم وضع الرد في التحقيق.

وأوضح آدم أن الصحافية تحدثت معه بخصوص المقالة، حين كان لا يزال يعمل في "مدى"، وكان كلامه عن الصحافة و"مدى" بشكل عام. وبعدما ترك العمل بنحو ثلاثة أشهر، كلّمته مرة ثانية، وأخبرها أنه ترك العمل في "مدى"، لكنها قالت إن هناك مستجدات تفضل أن يُردّ عليها. وأضاف: "فوجئت في الإنترفيو بأن لينا تحدثت معها عن المشاكل بيننا، وأخبرتها قصة غير منصفة، وأطلعتها على أجزاء من إيميلات شخصية بيني وبينها من دون إذني". كما اتهم الصحافية بأنها تناولت المشكلة من جانب واحد وتدعي إنني وافقت على الكلام. ولذلك، "أنفي ما ورد، وأؤكد أن القصة المذكورة في المقال غير كاملة".

ولأن ردود الأفعال الغاضبة مما حدث، كانت أكبر بكثير من السعادة بنشر تحقيق كبير عن "مدى مصر"، نشرت الصفحة الخاصة بالموقع في فايسبوك "اعتذارا وتوضيحا" على لسان لينا عطا الله، يقول إن كاتبة المقال اهتمت "بخلافٍ ما بين آدم و"مدى"، وخلال محاورتها لكل مني أنا وآدم، حكيت لها عن اعتراضه على انغماس "مدى" في ثقافة سلطوية نرفضها". وأضافت: "بالرغم من عدم تأكدي من صحة إطلاعها على الرسالة، فقد فعلت ذلك نزولًا على رغبتها في حماية آدم مني. ومع ذلك.. فإنني أعترف أني أخطأت فى إطلاعها هذه الرسالة، لما في ذلك من انتهاك لخصوصيته".

وهذا ما استدعى ردا من آدم، الذي قبل الاعتذار رغم التبريرات غير المقنعة والكافية –حسب تعبيره- على الخطأ المهني والمؤذي، وقال: "أطلب من الزملاء في "مدى" لو جادين في الاعتذار، ويبدو لي ذلك، إن يُنشر في الموقع. بصراحة نشره في صفحة الفايسبوك لا يوازي مستوى الخطأ، وأتمنى إثبات جدية الاعتذار بنشره على الموقع باللغتين، لأغلق هذه الصفحة مع مدى".

والتحقيق أو المقال الطويل للغاية المنشور في "الغارديان"، اهتم بتفاصيل تصلح لصحف النميمة وجرائد التابلويد التي تعتمد في مقروئيتها على مثل هذه النوعية من القصص. بالإضافة إلى أنه ليس مهنياً بأي حال من الأحوال أن ترتضي كاتبة الموضوع، ومن ورائها المحرر، نشر ما يدين أحد المعنيين دون أن يكون له نفس المساحة للرد، وبعد توضيح محمد آدم فيبدو أنهم لم يكونوا مهتمين برده على ماجاء في كلام لينا عطا الله.

أما رئيسة تحرير "مدى"، فلا يوجد أن تبرير لخرق خصوصية سعت هي نفسها مع النخب الثورية إلى الحفاظ عليها، بل والثورة لأجلها منذ أربع سنوات، فكيف يمكن أن ترتكب مثل هذا الفعل؟ أما تبريرها فجاء متعالياً، كأنه كُتب تحت ضغط الغضب، وفكرة كتابة اعتذار على صفحة الموقع في فايسبوك، تؤكد هذه الفكرة.

دانت رئيسة تحرير "مدى مصر" نفسها في موضع الاحتفاء، وتحول تحقيق طويل عن منبر حر في واحدة من أهم الصحف البريطانية وأوسعها انتشاراً، من تكريس للحرية إلى انتهاك لها.. ربما من دون قصد.. لكن نقد الذات واجب، وإذا كانت "الديموقراطية غير منتجة" في ظرف مشكلتها مع أحد مرؤوسيها، فلا يجب أن نعيب على الدولة أن ترى ذلك وتكرس له.