خوارزمية فايسبوك: اللعب قبل الجدّ

علي عواضة
الإثنين   2014/09/15
تحدّي دلو الثلج حظي بـ"ظهور" أعلى بكثير من الجريمة العنصرية في فيرغسون

لا تعني حرية التعبير التي نتمتع بها في "فايسبوك"، أن موقع التواصل الإجتماعي الأوسع انتشاراً في العالم، لا يقيد الحريات. قانونه الخاص - "الخوارزمية" - يمنحه هذا الحق، كذلك دستور المستخدمين فيه. وهؤلاء، ليسوا أكثر من متلقين. لا يمتلكون الحق بطلب ما يرغبون حصراً، أو استقبال ما يطمحون إليه فقط. يفلتر بطريقة أوتوماتيكية ما يريد من أخبار وأحداث. يحصر انتشارها، ويقيد توسعها في العالم. وفي المقابل، يعوّم أخرى. كل ذلك يخضع لسياسات مرتبطة بقوانين الموقع نفسه.

حدثان، الشهر الماضي، كانا كفيلين بتأكيد المؤكد، بأن المستخدم يخضع للموقع ولا خيار له غير ذلك: تحدي "دلو الثلج"، واحتجاجات فيرغسون الأميركية. ازدحمت حساباتنا برفاق يسكبون دلاء مياه مثلجة على رؤوسهم. أما الصرخات ضد جريمة بشعة في الولايات المتحدة، فانمحت واختفت.

يعود السبب في الفلترة الى دستور فايسبوك القائم على قانون "الخوارزمية" او بالانكليزية Facebook algorithm. هو سر فايسبوك الخفي. صيغة رياضية حسابية  تقرر وتحدد ما نرى ومتى نراه في حسابنا الشخصي. معادلة من عناصر ثلاثة. أولاً، "التقارب" Affinity وهو درجة الألفة مع الموضوع  المنشور. ثانياً، "الوزن" Weight أو مدى أهمية الخبر، إضافة إلى "التلاشي بالتقادم" Time Decay أي أن الأخبار القديمة تختفي. يدّعي فايسبوك أنه يعمل بناءً على تلك المعادلة. الخوارزمية تعمل على دراسة ما نهتم به، ثم تغذية صفحاتنا الشخصية بالأخبار المتعلقة بموضوع الاهتمام هذا. وإن كان الأمر صحيحاً الى حد ما، فإن الواقع والتجربة تظهر تواطؤاً - ليس دائماً حميداً - من جانب فايسبوك.

شيء مثير للاستغراب والجدل لاحظه الناس في حساباتهم في فايسبوك في أميركا. الأخبار المتعلقة باحتجاجات فيرغسون، الناجمة عن مقتل المراهق الاسود وغير المسلح مايكل براون، مُسحت واختفت. في 6 آب/أغسطس الماضي، أطلق رجل الشرطة الابيض دارين ولسون رصاصاته على الضحية. وبدأت الاحتجاجات التي تحول بعضها إلى أعمال عنف. يوم السبت 16 آب، أعلن حاكم ولاية ميسوري، جاي نيكسون، حالة الطوارئ وفرض حظر التجول على فيرغسون.

ميدان المدينة كان يعمّه الغضب، لكن ميدان فايسبوك في صمت تام. بالطبع لم يبتلع الناس غضبهم.. لكن الخوارزمية فرضت حيزاً كبيراً من الصمت. نظام فايسبوك تعرف على الأخبار المرتبطة بالحادث، وقام بفلترته بشكل اوتوماتيكي، حتى كادت تحتجب من "النيوزفيد" على نطاق واسع.

تستنكر زينب توفيق، البرفسور المساعد في كلية علوم المكتبات والمعلومات في جامعة شمال كاليفورنيا، فلترة الحدث الأميركي الجلل. تقول إن أحداث فيرغسون تكشفت لها، في وقت وقوعها، عبر الصفحات والأشخاص الذين تتبعهم في "تويتر". لكن في فايسبوك، حيث تتبَّع تكوين مماثل من الأصدقاء، أخبار فيرغسون، لم تظهر لهم الأخبار حتى صباح اليوم التالي. تسأل: "هل دُفنت فيرغسون تحت الرقابة الخوارزمية؟".

في المقابل، أُثقلت صفحاتنا في "فايسبوك" بالفيديوهات القصيرة لمشاهير ورفاق شاركوا في تحدي "دلو الثلج"، حتى ملّها المستخدم. انتشر تحدي دلو الثلج بشكل "فيروسي"، عدوى تناقلها الجميع. هي كسائر الموضات السابقة التي اقتحمت الاعلام الاجتماعي، وإن كانت هادفة. نذكر منها رقصة "هارلم شيك" أو "غانغنام ستايل". لا شك ان تلك الحملة الهادفة في نشر التوعية حول مرض التصلب العضلي الجانبي في غاية الأهمية. لكنها تحولت إلى لعبة ترفيهية، نتشاركها مع الأصدقاء. لا نرمي اللوم على الناس وحدهم، بل ربما يفضل فايسبوك أيضاً، الترفيه على الجرائم العنصرية. 

تزودنا شركة سمبل ريتش Simple Reach المتخصصة في احصاءات الإعلام الإجتماعي بالبيانات والأدلة. في فايسبوك، جاء تناقل الأخبار المتعلقة بفيرغسون بمعدل 257 مرجعاً، مقابل 2107 مراجع لتحدي "دلو الثلج". أما تفاعل الناس بين ضغط زر"إعجاب" أو التعليق، فيأتي بمعدل 518 تفاعلاً لصالح أحداث فيرغسون، مقارنة بـ796 تفاعلاً لتحدي دلو الثلج. فهل الأرقام عادلة قياساً بهذه الجريمة البشعة؟

لشبكات التواصل أهداف مختلفة. "فايسبوك" يتوجه إلى جمهور يحب التسلية والتواصل مع الأصدقاء. يشرح مات هندل، كبير مديري تسويق وسائل الاعلام الاجتماعية في وكالة "ريزور فيش" (Razorfish) العالمية: "فايسبوك هو مكان للأصدقاء والعائلة والتسلية". يضيف: "الناس تريده مكاناً للفرح... لا منتدى لأخبار قاسية. ولأجل ذلك، نظام الخوارزمية هو الأداة التي تحقق الغاية. يظهر لنا المحتوى الذي يراه الأنسب".