لكم باريسكم.. ولنا نفاقكم

لينا بن مهنّي
الإثنين   2014/07/07

في الأيّام الأخيرة، وأنا أتصفّح "فايسبوك"، شدّ انتباهي نصّ وصورة. يهنّئ أحد قياديي الحركات السلفية الجهادية في تونس، إبنته، بالنجاح في البكالوريا الفرنسية وبقبولها للدراسة في جامعة السوربون في باريس. يكتب:
"تهنئة لابنتي الغالية: إحسان
‫بكامل الإفتخار والإعتزاز، أُهنّئك ابنتي الغالية إحسان بنجاحك في البكالوريا - شعبة آداب في باريس، بملاحظة فوق الحَسَن، وتهنئتي لك أيضاً بالتحاقك بجامعة السّوربون‫.
أبوكِ الذي يُحبّك حُبّا عظيماً: خَمِيس الماجري".

حتى هنا، يبدو الأمر عادياً. فهذا أب فخور بابنته، يهنئها على نجاحها بتفوّق في دراستها، لكن دعونا نعرّج على الصورة حتى نفهم الامر وتفهمون سبب تركيزي مع هكذا خبر. فالصورة هي لشبان ثلاثة من الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، المرسى. الثلاثة في مقتبل العمر، يتمتّعون بقدر كبير من الوسامة، ولهم من المستوى الدراسي الشيء الكثير. الثلاثة قتلوا وهم "يجاهدون"  في سوريا.

قد يتساءل البعض عن علاقة الخبر بالصورة. فلنفسّر الأمر. فالشيخ الفخور بابنته وبنجاحها في الدراسة، هو من شيوخ السلفية الداعين الى الجهاد في أراض ليست بأراضي جهاد، وهو من ناشري الفكر الظلاميّ ومن "واعظي" شبابنا من خلال خطبه الداعية الى التفرقة والبغضاء المكّفرة لكلّ نفَس حرّ يعلن رفضه للإنسياق خلف فكر متخلّف متأخّر ورجعيّ. هذا الشخص سبق أن تعمّد الإساءة الى نساء تونس في مناسبات عديدة، لكنّ أشهرها تبقى المرّة التي تحدّث فيها عنهنّ قائلاً بأنّهن رخيصات يُستدرجن بـ"سندويش"!

سؤالي هنا للسيد المحترم: هل تُستدرج إبنتك بسندويش، أم هل أنّها ليست بتونسية؟! وقد كنتَ سارعتَ الى تبرير موقفك عندما تساءل عدد كبير من التونسيين عن سبب دعوتك الى الجهاد في سوريا في حين تدرس إبنتك في باريس؟ وهي ما يُسمى عندكم ببلاد الكفر والفجور، والغرب الكافر وغيرها من التسميات المضحكة. ورداً على الأسئلة، قلتَ إنّ ابنتك ولدت ونشأت ودرست في فرنسا. كأنّ ذلك يبرّر خطاباتكم التي تدعو شباب تونس الى الجهاد في أراض سوريا وغيرها، بل وكأنه يبرر خطاباتكم المعادية لمدنيّة الدولة.

سيدي الكريم. لقد مللنا نفاقكم وكذبكم، ومللنا الخراب الذي تنشرونه بفكركم الظلاميّ في بلاد سعى أهلها الى بلوغ درجة كبيرة من الرقيّ والتقدّم من خلال التمرّد على ديكتاتور نشر فيها الفساد وخنق العبا،د ونجحوا في إرباكه وزلزلة عرشه ودفعه إلى التنحّي عنه. أنتم يا سيدي، نموذج لشيوخ التدجيل المنافقين ناشري الفتاوى المبكية المضحكة، تحرّمون وتحلّلون حسب هواكم ومنافعكم الشخصية: الكُرة حرام، وإبحار المرأة في الإنترنت بلا مَحرم، حرام، وقيادة المرأة للسيارة، حرام، والكعب العالي حرام... وتطول القائمة ليصير كلّ شيء حراماً في حرام.

في الوقت نفسه، تعيشون حياتكم مرفّهين منعّمين بما تجنونه مقابل الضحك على عقول البسطاء من أبناء شعوبكم. تنتقدون الدول الغربية ومن يتعامل معها، في حين لا تحبّذون العيش سوى فيها. يدرس فيها أبناؤكم، وتتداوون فيها إذا ما لزم الأمر، وتفتحون أرصدة مكتنزة في بنوكها لتحدّثونا عن البنوك الإسلامية في أراضينا، مُحرّمين التعامل مع البنوك العادية. تمتلكون القصور وتركبون أفخر السيارات وتسمّونها صناعة شيطانية للغرب الكافر.

سيدي.. سبق أن برّأتم إرهابيي جبل الشعانبي، الذين سرقوا حياة مجموعة من خيرة جنودنا ورجال أمننا البواسل، من تهمة الإرهاب. ونسبتم التهمة الى شباب الإنترنت والشباب الثائر.. ولي معك في ذلك قصة يعرفها القاصي والداني.

أخيراً أقول أنا سعيدة لنجاح ابنتك في دراستها وتفوّقها، كسعادتي بنجاح ايّ شاب أو شابة تونسية في ايّ مجال، لكنّي حزينة في الوقت نفسه على الآلاف من شبابنا الذين ألقى بهم شيوخ الظلام الى التهلكة واستغلّوا شبابهم واندفاعهم أو يأسهم من وضع متأزّم ليرسلوهم لخوض حروب ليست حروبهم. حزينة لأنّ البعض ما زال يصدّق خزعبلاتكم وترهاتكم ونفاقكم التي أشعلت النار في وطننا وقسّمت أبناءه وفرّقتهم، ورمت بكثيرين منهم الى نيران جحيم الحرب.

سيدي الشيخ: وأنت تهنّئ ابنتك، فكّر بغيرك! فكّر بمن فقدوا أبناءهم جرّاء الفكر الذي تنشرون، والظلام الذي تسدلون على الفكر والعقول.