وانتهى "باب الحارة".. بانقلاب سحر الدعاية على الساحر

نذير رضا
الأربعاء   2014/07/30

 لم ينجح نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأداته الدرامية، باحتكار ثقافة سكان الحارات الدمشقية. فمن الصعب فصل أدبياتها، أو حصر سلوكياتها في مؤيدي النظام، بمعزل عن المعارضين. تتشارك الحارات السورية، ثقافة واحدة، تنطبق على سلوكياتها في مقارعة قوات النظام، كما على مقارعة قوات الإحتلال الفرنسي. وعليه، يصبح الخطاب الموجه الى الجمهور، عن قصد، في نص مسلسل "باب الحارة 6"، منقوصاً من الناحية الدعائية، خالياً من التحشيد والوعظ لاستقطاب جمهور إضافي مؤيد للنظام، بل أداة في يد المعارضين.

اعتمدت الآلة الدرامية السورية، على شقين دعائيين لحشد تأييد للنظام بصفته المخلص من الإرهاب، والمناوئ للتدخل الأجنبي وإملاءاته السياسية في سوريا. الشق الأول يرتبط بالوعظ الخطابي، على ألسنة أبطال مفترضين، يروجون لمفاهيم النظام. والثاني على خط التكاتف الإجتماعي في مواجهة المحتل والظالم. ويمثل مسلسل "باب الحارة" الجزء الأكبر من تلك المساعي، إذ لم تكد حلقة واحدة من العمل الذي عُرض في رمضان، تخلو من تلك الرسائل المباشرة، محمّلة بإسقاطات على الإنتداب الفرنسي.

ربما نجح النظام في مخاطبة جمهوره وحثهم على تأييده، بعبارات واعظة.. فإعادة إنتاج المسلسل بجزء سادس، خالٍ من اي قيمة درامية مضافة، لا يبرره الا هذا الجانب الرسائليّ. لا الحبكة مقنعة، ولا جديد قدمه... كذلك، خسر مصداقيته في إعادة إحياء شخصيات كان أنهى وجودها حين رفضت المشاركة في أجزاء أخرى. غير أن التغيير الذي طرأ على أولويات العمل، عبر حثّ الجمهور على الإقتناع بصوابية خيارات النظام، إصطدم بالتطابق في السلوكيات بين سكان الحارات إبان الإحتلال الفرنسي، وسلوكياتهم في مقارعة النظام.

ولم يفلت مخرج العمل وكاتبه من ذلك التطابق المشهدي، كما لم يستطيع تقديم صورة مغايرة للتكاتف الإجتماعي السوري في مواجهة العدو، أي عدو. وما كان ينطبق على المحتل الفرنسي، فإنه ينطبق أيضاً على النظام الذي تحول بنظر كثير من السوريين الى خصم، قاتل، ومبيح لحرمات الناس.

الحارة نفسها، بـ"مقاوميها" وعلمائها وجواسيسها، ونسائها أيضاً اللواتي تحولن الى سند للرجال المدافعين، تختزن معاني المواجهة في كل زمان. وإذا كانت عبارات الوعظ تطابق خطاب النظام، فإن المَشاهد تحولت الى آلة دعائية ضده. إذ أقنعت المشاهد أكثر بأن مواجهة سكان الحارات لقوات النظام، تنسجم مع سلوك دمشقي قديم، برز في مواجهة أي محتل، بصرف النظر عن النص المواكب للأحداث، بشاعريته وخياله وإيحاءاته بصوابية السلطة المحلية. وتحاكي سلوكيات الحارة سكان البلاد، وتنسجم مع الخيار في المواجهة الحالية في الحارات المعارضة للنظام، بالنَفَس الإجتماعي ذاته، وذلك بعد تبدّل أولويات القتال من المحتل الفرنسي الى النظام الخصم.

ولم يكن في إمكان الجهة المنتجة، المقربة من النظام، تغيير الديكور. فذلك يفقد العمل قيمته، ومبررات وجوده. تعديلات طفيفة أجريت، بدت سخيفة، ساهمت في تدحرج العمل الى انخفاض في نسبة مشاهدته، على خلفية الإنقسامات السياسية السورية. إحدى تلك التغييرات، كانت في إزالة علم سوريا إبان الإنتداب، واستبداله بعلم فرنسي آخر (بناء على تعميم بعدم إظهار علم الثورة السورية في المشاهد الدرامية) ما يخالف الأجزاء الخمسة السابقة.

إزاء ذلك، سقط العمل بسقوط مصداقيته. لم يحظَ بنسبة مشاهدة مرتفعة، خلافاً لما كان عليه حين اعتمد على الثرثرة الدرامية سبيلاً لكسب سباق رمضان. راهن العمل على نجاحات سابقة، بتقديم مادة نظامية وردت على لسان شخصياته، من عبد الهادي صباغ وعباس النوري ووائل شرف، الى أيمن زيدان ومصطفى الخاني.